ومن العجب أن هذه الشريعة المحفوظة (1) المحروسة، مع هذه الأمة المعصومة التي لا تجتمع على ضلالة - إذا حدث بعض أعيان التابعين عن النبي (صلى الله عليه وسلم) كعطاء بن أبي رباح والحسن البصري وأبي العالية ونحوهم - وهم من خيار علماء المسلمين وأكابر أئمة الدين - توقف أهل العلم في مراسيلهم فمنهم من يرد المراسيل مطلقا، ومنهم من يتقبلها بشروط، إلى أن قال: وهؤلاء ليس بين أحدهم وبين النبي (صلى الله عليه وسلم) إلا رجل، أو رجلان، أو ثلاثة مثلا.
وأما ما يوجد في كتب المسلمين في هذه الأوقات من الأحاديث التي يذكرها صاحب الكتاب مرسلة، فلا يجوز الحكم بصحتها باتفاق العلماء - فكيف بما ينقله كعب الأحبار وأمثاله عن الأنبياء - وبين كعب وبين النبي الذي ينقل عنه ألف سنة وأكثر وأقل، وهو لم يسند ذلك عن ثقة بعد ثقة بل غايته أن ينقل عن بعض الكتب التي كتبها شيوخ اليهود (2)، وقد أخبر الله عن تبديلهم وتحريفهم، فكيف يحل للمسلم أن يصدق شيئا من ذلك بمجرد هذا النقل، بل الواجب ألا يصدق ذلك ولا يكذبه أيضا، إلا بدليل على كذبه.
وهكذا أمرنا النبي (صلى الله عليه وسلم). وفي هذه الإسرائيليات مما هو كذب على الأنبياء أو ما هو منسوخ في شريعتنا ما لا يعلمه إلا الله ا ه (3).
وقال ابن كثير في تفسير سورة النمل، بعد أن ذكر ما جاء في قصة ملكة سبأ مع سليمان من الإسرائيليات ما يلي:
" والأقرب في مثل هذه السياقات أنها متلقاة عن أهل الكتاب مما وجد في صحفهم كروايات كعب ووهب سامحهما الله تعالى فيما نقلاه إلى هذه الأمة من أخبار بني إسرائيل من الأوابد والغرائب والعجائب مما كان ومما لم يكن ومما حرف وبدل ونسخ، وقد أغنانا الله بما هو أصح منه وأنفع وأوضح وأبلغ ولله الحمد والمنة.
وقد أشار الحكيم ابن خلدون في مواضيع كثيرة من مقدمته إلى كعب ووهب وما جاء عنهما فليرجع إليه من أراد زيادة في البيان.