أضواء على السنة المحمدية - محمود أبو رية - الصفحة ١٨٦
كل ابن آدم، أو ينخسه إلا عيسى بن مريم وأمه، وبذلك لم يسلم من طعن الشيطان أحد غيرهما من بني آدم أجمعين، حتى الرسل: نوح وإبراهيم وموسى وغيرهم، وخاتمهم محمد صلوات الله عليه وعلى جميع النبيين، فانظر واعجب! (1).
(1) اتكأ المسيحيون على هذا الحديث في إثبات عقيدتين من عقائدهم، أولاهما: أن البشر جميعا قد سقطوا في الخطيئة واقتراف الآثام إلا عيسى بن مريم الذي ارتفع عن طبقة البشر، والأخرى نزول عيسى بن مريم من السماء إلى الأرض ليحكم بين الناس ويجازيهم.
قال القس إبراهيم لوقا في كتابه " المسيحية في الإسلام " - بعد أن ذكر ارتفاع مقام عيسى عن طبقة البشر، وأنه وحده قد استحق العصمة والصون من الآثام: " جاء في سورة مريم: (وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا) فهذه الآية قد حكمت على جميع البشر بورود جهنم والعياذ بالله، ومعلوم أن العقاب لا يكون إلا لذنب وإلا كان ظلما - وما ربك بظلام للعبيد، فهذه الآية تدل على أن البشر جميعا معرضون للوقوع في أسر الشهوات والخطايا. ثم قال: لتقرأ هذه الآية مرة أخرى، ثم لتقرأ بعدها آية سورة آل عمران: " وإني أعيذها بك وذريتها (أي المسيح) من الشيطان ". تر أن الله قد حفظ العذراء والمسيح من غواية الرجيم، ثم لنقرأ بعد هذا الحديث الذي تضمن هاتين الحقيقتين معا - سقوط البشر أجمعهم، وعصمة المسيح دون سواه وهو كما أورده البخاري: " كل ابن آدم يطعنه الشيطان في جنبه بإصبعيه حين يولد، غير عيسى بن مريم، ذهب يطعنه فطعن في الحجاب ".
فإقرار الإسلام بأن البشر جميعا قد زاغوا وفسدوا، وأنهم مجردون عن العصمة، معرضون لاقتراف الخطايا والآثام، بجانب إقراره للمسيح وحده بالعصمة، وأنه مصون عن مس الشيطان، يرفع المسيح عن طبقة البشر وبالتالي يقر بلاهوته الممجد (ص 127 من الطبعة الثالثة من هذا الكتاب) ولهذا الحديث روايات أخرى - راجع الجزء السادس من فتح الباري.
وذكر في صحفة 135: إن الذي روى هذا الحديث هو أبو هريرة.
وفي ص 149 من الكتاب قال تحت هذا العنوان " دينونة المسيح " روى البخاري: " لا تقوم الساعة حتى ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا " فهذا الحديث ناطق بأن المسيح سيأتي ديانا عادلا، وهذا ما يعلنه الوحي الإلهي في الإنجيل المقدس (يو 5: 22) قال المسيح " لأن الآب لا يدين أحدا بل قد أعطى كل الدينونة للابن "، وفي ختام سفر الرؤيا (رؤيا 22: 12) " وها أنا آتى سريعا وأجرتي معي لأجازي كل واحد كما يكون عمله ".
ومن العجيب أن يصرح أبو هريرة في حديثي البخاري بطعن الشيطان ونزول عيسى أنه سمعهما من النبي، كما صرح بسماع حديث خلق الله التربة يوم السبت - وأثبت المحققون أنه قد رواه عن كعب الأحبار - وهكذا يبث راويتنا المكثار من الأحاديث بين الناس ما يكون مشكلات في ديننا وحججا لتأييد عقائد غيرنا!
وحديث طعن الشيطان الذي رواه البخاري قال ابن حجر في شرحه: " وقد طعن صاحب الكشاف في معنى هذا الحديث وتوقف في صحته، وكذلك طعن فيه الرازي وقال " إن الحديث خبر واحد ورد على خلاف الدليل ".