قياما فلما شعر بهم النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالجلوس فجلسوا فرآهم أنس على الحالتين فأخبر بكل منهما مختصرا للأخرى لم يذكر القصة بتمامها يدل عليه حديث عائشة وحديث جابر المتقدمان الثاني وهو الأظهر أنهما كانا في وقتين وإنما أقرهم عليه السلام في إحدى الواقعتين على قيامهم خلفه لان تلك الصلاة كانت تطوعا والتطوعات يحتمل فيها ما لا يحتمل في الفرائض وقد صرح بذلك في بعض طرقه كما أخرجه أبو داود في سننه عن أبي سفيان عن جابر قال ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا بالمدينة فصرعه على جذم نخلة فانفكت قدمه فأتيناه نعوده فوجدناه في مشربة لعائشة يسبح جالسا قال فقمنا خلفه فسكت عنا ثم أتيناه مرة أخرى نعوده فصلى المكتوبة جالسا فقمنا خلفه فأشار إلينا فقعدنا قال فلما قضى الصلاة قال إذا صلى الامام جالسا فصلوا جلوسا وإذا صلى قائما فصلوا قياما ولا تفعلوا كما تفعل فارس بعظمائها انتهى ورواه بن حبان في صحيحه كذلك ثم قال وفي هذا الخبر دليل على أن ما في حديث حميد عن أنس أنه صلى بهم قاعدا وهم قيام أنه إنما كانت تلك الصلاة سبحة فلما حضرت الفريضة أمرهم بالجلوس فجلسوا فكان أمر فريضة لا فضيلة انتهى قلت ومما يدل على أن التطوعات يحتمل فيها ما لا يحتمل في الفرائض ما أخرجه الترمذي عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن أنس قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إياك والالتفات في الصلاة فإنه هلكة فإن كان لا بد ففي التطوع لا في الفريضة انتهى وقال حديث حسن انتهى وأصحابنا يجعلون أحاديث إذا صلى جالسا فصلوا جلسوا منسوخة بحديث عائشة المتقدم أنه صلى آخر صلاته قاعدا والناس خلفه قيام وبحديث لا يؤمن أحد بعدي جالسا وسيأتي ذكره لكن حديث عائشة وقع فيه اضطراب لا يقدح فيه فالذي تقدم أنه عليه السلام كان إماما وأبو بكر مأموم وقد ورد فيه العكس كما أخرجه الترمذي والنسائي عن نعيم بن أبي هند عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة قالت صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه خلف أبي بكر قاعدا انتهى قال الترمذي حديث
(٥٤)