لا هذا ولا ذاك وحينئذ نقول لما احتمل عند العقل وجود الماء بالواقعي الذي هو شرط الطهارة المائية فيحتمل وجوبها أيضا ولما احتمل عدمه الذي هو شرط الطهارة الترابية احتمل وجوبها أيضا فلا بد من الجمع بينهما ليحصل العمل بمقتضى الاحتمالين تحصيلا للبراءة اليقينية فلا إيراد نعم لمنع وجوب تحصيل اليقين بالبراءة في مثل هذه الصورة مجال لكنه كلام آخر لا تعلق له بكلام صاحب المدارك وأما ما أورده على وجوب التقديم فهو كما أورده إلا أن يقال لعل حكمهم بوجوب التقديم بناء على رعاية ضيق الوقت في التيمم نعم لو وجد هذا الحكم في كلام من لا يقول بوجوب التضيق لما أمكن هذا التوجيه وكان وجوده فيه غير معلوم هذا ولما كان تحقيق الكلام في أصل المسألة محتاجا إلى زيادة بسط فلا بأس أن نتعرض له فنقول لا يخفى أن الامر في الكتاب العزيز بالطهارة المائية مطلق بحسب اللفظ و بالترابية مقيد بعدم وجدان الماء فلا يخلو أما أن يترك المطلق بحاله أو يقال إن تقييد الترابية قرينة على أن المراد إن وجدتم الماء فتطهروا والأول كأنه هو الأظهر ثم الامر المقيد بقيد مثل إن وجدتم الماء فتطهروا هل الظاهر فيه أنه يجب تحصيل اليقين أو الظن على تقدير الاكتفاء به بأنه تطهر على تقدير وجود الماء في الواقع أو لا بل يكفي أن يحصل على تقدير وجود العلم أو الظن بوجود الماء اليقين أو الظن بالتطهر به ولعل الأظهر هو الثاني بناء على أصالة البراءة حتى يثبت وكان إثبات الاحتمال الأول مشكل فيصار إلى الثاني محصل ها هنا أربعة احتمالات الأول أخذ الامر بالطهارة المائية مطلقا والامر المقيد مبتنيا على الاحتمال الأول والثاني أخذه مطلقا وابتناء الامر المقيد على الاحتمال الثاني والثالث أخذه مقيدا وأخذ المقيد على الاحتمال الأول والرابع ظاهر فعلى الأول نقول الامر المطلق أيضا مثل تطهر بالماء هل يجب تحصيل اليقين فيه بحصول الطهارة على أي وجه كان سواء كان وجود الماء الذي هو شرطه العقلي مثلا متيقنا أو مظنونا أو مشكوكا أو موهوما أو لا بل يجب عند اليقين أو الظن بوجوده أو عند الشك أيضا ولا يبعد ادعاء الظهور في الأول ولا أقل من الاكتفاء بإخراج الموهوم فقط وأدون منه إخراج المشكوك أيضا وأدون منهما الاقتصار على اليقين فقط هذا بالنظر إلى مجرد اقتضاء الامر بحسب العرف من دون أمر خارج وعند وجوده يجرى الامر على حسب مقتضاه كيفما كان وعلى الوجه الأول بل على الثاني أيضا عند فرض تساوي الاحتمالين في الماء المفروض من دون ترجيح يجب الحكم بوجوب التطهر به وكذا بالتيمم لأنه ما لم يتيمم حينئذ لم يحصل العلم بأنه تيمم على تقدير عدم وجدان الماء لجواز أن لا يكون الماء موجود إلا أن يقال الاتفاق حاصل على أن بعد وجوب الطهارة المائية لا يجب التيمم لان هذا الاتفاق ممنوع كيف وهو أول المسألة والوجه الثالث والرابع بعيد مع أخذ المشروط على النحو الأول ضرورة أن المطلق لا يكون أدون من المشروط وعلى الثاني الامر في الطهارة المائية ظاهر على الوجه الأول وعلى الثاني على قياس ما ذكرنا وأما الطهارة الترابية فينبغي أن لا يجب لعدم العلم أو الظن بتحقق شرطها لكن الاحتياط في الاتيان بها سيما مع قطع الأصحاب بوجوبهما مطلقا وعلى الوجهين الآخرين لا يثبت وجوب الطهارة المائية إلا على الوجه الثالث إلا إذا فرض الظن بأن الباقي هو الماء وقد عرفت أيضا عدم ثبوت وجوب التيمم فحينئذ يمكن أن يقال تارة إذا لم يجب الوضوء فيجب التيمم قطعا إذ لا مخرج عنهما اتفاقا و تارة أن لا نسلم ذلك ونقول لم يثبت وجوب شئ من الطهارتين بمقتضى الأوامر الواردة بهما لكن نعلم بالضرورة والاجماع إن ها هنا تكليفا ولا يكون التكليف بالطهارة مطلقا ساقطا فلا بد من الاتيان بهما جميعا تحصيلا اليقين البراءة وتارة أن يقال لا يلزم الاتيان بهما جميعا بل في مثل هذه الصورة يكفي عدم تركهما جميعا الذي يوجب استحقاق العقاب ضرورة كما مر غير مرة في تضاعيف المباحث السابقة فتخيير بين الماء والتراب والاحتياط في الثاني وإن كان في الأخير قوة كما أن في الأول ضعفا وعلى الثالث يجب الحكم بالطهارتين لان وجود شرطهما مشكوك وتوهم أنه على تقدير وجوب المائية لا يجب الترابية قد عرفت بطلانه وعلى الرابع لا يثبت وجوب شئ منهما بمقتضى الأوامر ويجري فيه أيضا الاحتمالات الثلاثة المذكورة وقد عرفت حالها ثمة فها هنا أيضا كذلك وبالجملة الاحتياط على جميع التقادير والاحتمالات في الجمع كما قطع عليه الأصحاب والله الهادي إلى طريق الصواب وأما الحكم الثاني ففيه تفصيل إذ لو فرض أنه يمكن أن يتطهر بأحد المائين ويصلي ثم يغسل أعضاء الطهارة بالماء الاخر ثم يتطهر به ويصلي فحينئذ يحصل له الطهارة والصلاة الصحيحة البتة أما أولا أو ثانيا نعم يفتقر في الصلاة الأخرى إلى غسل الأعضاء مرة أخرى وإذا لم يمكن ذلك فالطهارة بهما لغو عبث وهو ظاهر هذا إذا لم نقل بأن الماء المشتبه بالنجس حكمه حكم النجس ويحرم استعماله وسيجئ الكلام فيه وأما الحكم الثالث فنقول لا يخلو أم أن يتطهر بأحدهما أو بكل منهما فعلى الأول لا شك أنه لا يحصل الطهارة إذ لم يحصل اليقين أو الظن بأنه تطهر بماء مباح كما هو المأمور به (وكون المأمور به هو الطهارة بالماء المباح كأنهم يدعون الاجماع فيه ولولا ذلك لأمكن النزاع فيه وعلى هذا لا يثبت بطلان هذه الطهارة بل ولا بطلان الطهارة بالماء المغصوب بشئ أيضا إلا مع انحصار الماء فيه كما سنشير إليه آخر المبحث) وقد عرفت أنه لا بد منه في الامتثال ومع هذا كأنه فعل حراما أيضا بناء على أنه لا بد من الاحتراز عن التصرف في مال الغير بغير إذنه وهذا الاحتراز إنما يحصل بالاحتراز عن كل من المائين فتصرفه في كل منهما منهي عنه وعلى الثاني فلا شك أنه حرام غير مأمور به لأنه مستلزم للتصرف في الغصب البتة لكن لو فرض أنه فعل ذلك فحينئذ الظاهر أنه يحصل له الطهارة صحيحة وإن فعل حراما لان أحدهما ماء مباح ولا شك أنه قد وقعت الطهارة فيلزم أن يكون صحيحة وأمر النية قد عرفت حاله فإن قلت استعمال كل منهما حرام منهي عنه والنهي في العبادة موجب للفساد قلت لو لم نقل بأن استعمال كل منهما حرام بل إن استعمالهما معا حرام فالامر ظاهر وإن قلنا بحرمته أيضا فالظاهر الحكم بصحة الطهارة إذ كون النهي في العبادة موجبا
(٢٦٥)