لكان جميع المراسيل التي من هذا القبيل لمنزلة السماع من المعصوم (عليه السلام) ولم يقل به أحد كما حقق في موضعه وحينئذ فلا اعتماد عليه لجهالة الواسطة مع أن الظاهر أن الواسطة هو الرجل المكتوب إليه ولا يخفى أن تعبيره عنه بالرجل مما يشعر بوضاعة حاله إلا أن يقال جعله واسطة ورسولا في أخذ الحكم يدل على اعتماده عليه وثقته به وقد يقال يمكن أن يكون غرضه أن يكاتبه (عليه السلام) بالجواب فتدبر وقد ذكر بعض الأصحاب إن هذه الرواية وإن كانت مكاتبة لكنه روى الشيخ في الاستبصار في الباب المتقدم عن محمد المذكور في الصحيح بلا مكاتبة وواسطة عن الرضا (عليه السلام) قال ماء البئر واسع لا يفسده شئ إلا أن يتغير ريحه أو طعمه فتنزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه لأنه له مادة أيضا روى في التهذيب في زيادات باب المياه في الصحيح عن محمد بن إسماعيل عن الرضا (عليه السلام) قال ماء البئر واسع لا يفسد شئ إلا أن يتغير وروى في الكافي أيضا في الصحيح هذه الرواية الأخيرة في باب البئر وما وقع فيها وحينئذ لا يضر كون الرواية الأولى مكاتبة ولا يخفى أن رواية الاستبصار وإن لم يصرح فيها بالمكاتبة و الوساطة لكن الظاهر أنها بعينها رواية التهذيب ولا أقل من عروض الشك فيها ومع هذا لا يمكن الاعتماد وأما رواية الزيادات والكافي فهي وإن لم يكن بهذه المنزلة لكن فيها أيضا بعض الشك وعن الثاني إن التخصيص خلاف الظاهر مع أنه على هذا لم يبق الفرق بين المستثنى والمستثنى منه إذ في صورة التغير أيضا لا يحصل فساد يوجب التعطيل والجواب عن الثالث سيجئ في ضمن ذكر أدلة النجاسة وقد يعترض على الوجه الثاني بأنه مخصص بروايات التقدير وفيه إن تخصيصه بها ليس بأولى من حملها على الندب مجازا لو سلم كونها حقيقة في الوجوب ومنها ما رواه التهذيب في باب تطهير المياه والاستبصار في باب البئر يقع فيها العذرة في الصحيح عن علي بن جعفر عن موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال سئلته عن بئر ماء وقع فيها زنبيل من عذره رطبة أو يابسة أو زنبيل من سرقين أيصلح الوضوء منها قال لا بأس واعترض عليه بحمله على عذرة غير الانسان وبجواز أن لا يصل العذرة إلى الماء وبحمله على أنه لا بأس بعد نزح ما هو المقدر والجميع بعيد أما الأول فلان العذرة في العرف واللغة مختصة بغايط الانسان خصوصا وقد أوردت مقابل السرقين وأما الثاني فلانه يبعد بل يستحيل في العادة أن يقع الزنبيل في الماء ولم يصل الماء إلى العذرة وأما الثالث فلانه يشبه الألغاز ومنها ما رواه الفقيه في باب المياه في الصحيح قال وسئل محمد بن مسلم أبا جعفر (عليه السلام) عن البئر يقع فيها الميتة فقال إن كان له ريح نزح منها عشرون دلوا وهذا الخبر في التهذيب أيضا في الباب المذكور في الصحيح عن محمد عن أحدهما (عليهما السلام) واعترض عليه أنه لا دلالة له على أنه إذا لم يكن لها ريح لم ينزح شئ ولا يخلو عن بعد ومنها صحيحة زرارة المتقدمة في بحث القليل المتضمنة للاستقاء من حبل أتخذ من شعر الخنزير واعترض عليها بعدم وصول الحبل إلى الماء وبجواز طهارة شعر الخنزير والكل بعيد جدا ومنها ما رواه التهذيب في باب تطهير المياه والاستبصار في باب البئر يقع فيه ما يغير أحد أوصافه في الموثق بابان عنه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئل عن الفارة تقع في البئر لا يعلم بها إلا بعد ما يتوضأ منها أيعاد الوضوء فقال لا وأورد عليه بجواز الخروج حية وفيه بعد ومنها ما رواه في البابين المذكورين في الموثق بابان أيضا عن أبي أسامة وأبي يوسف يعقوب ابن عثيم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا وقع في البئر الطير و الدجاجة والفأرة فانزح منها سبع دلاء قلنا فما تقول في صلاتنا ووضوئنا وما أصاب ثيابنا فقال لا بأس به وأورد عليه وعلى سابقه أيضا وكذا على صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة المتضمنة للفارة بأن المراد منها أنه لا يعلم الوقوع قبل الاستعمال ويحتمل أن يقع بعده والله أعلم ومنها ما رواه في البابين المذكورين في الموثق عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) بئر يستقي منها وتوضأ به وغسل منه الثياب وعجن به ثم علم أنه كان فيها ميت قال لا بأس ولا تغسل الثوب ولا تعاد منه الصلاة وهذا الخبر في الكافي أيضا في باب البئر وما يقع فيها لكن في طريقه جهل ورواه الفقيه أيضا في باب المياه مرسلا عن الصادق (عليه السلام) وأورد عليه أيضا بنحو سابقه لكن إجرائه فيه أبعد ومنها ما رواه الفقيه مرسلا عن الصادق (عليه السلام) قال كانت بالمدينة بئر في وسط مزبلة وكانت الريح تهب فيلقى فيه القذر وكان النبي (صلى الله عليه وآله) توضأ منها وأورد عليه بحمل القذر على غير النجاسة أو أنه ما رواه (صلى الله عليه وآله) والظاهر خلافهما ومنها رواية علي بن حديد المتضمنة لذكر خروج الفارة بالدلو وقد تقدمت في بحث القليل ومنها رواية أبي مريم الأنصاري المتضمنة لخروج قطعة من العذرة بالدلو وقد مرت في بحث القليل ومنها رواية زرارة المتضمنة للاستقاء بجلد الخنزير وقد تقدم القول فيه في بحث القليل وهذه الروايات الأخيرة وإن لم تكن صحيحة لكنها مما يصلح للتأييد وسيجئ في بحث البالوعة رواية أخرى يترائى منها عدم نجاسة البئر بالملاقاة وسنتكلم عليها وأما عدم وجوب النزح فللأصل وللروايات السابقة فإن أكثرها مما يمكن الاستدلال به على عدم وجوب النزح سيما بعض منه فإن الاستدلال به قوي جدا مثل رواية محمد بن إسماعيل كما مرت الإشارة إليه وأما الروايات الواردة بالنزح فبعضها غير صحيح السند وبعضها ليس بصيغة الامر مع أن صيغة الامر أيضا ليست بظاهرة في الوجوب في عرف أئمتنا (عليهم السلام) كما مر مرارا وأيضا الاختلاف الكثير الواقع في النزح كما ستطلع عليه إنشاء الله تعالى بحيث لا يمكن توجيهه بوجه أصلا مما يورث الظن القوي بأن الأوامر كانت للاستحباب وما ذكره بعض الأصحاب في توجيه الاختلاف المذكور من أن السر في النزح أنه كتدافع الجاري ومن ثم اختلفت الروايات بالأقل والأوسط والأكثر بحسب قوة النجاسة وضعفها وسعة المجاري وضيقها فتارة يقصر تقصير الأئمة (عليهم السلام) على أقل ما يحصل به وتارة يستظهر عن ذلك وتارة يأمر بالأفضل ففيه تشويش لأنه أما أن يحصل سبب الاختلاف في الروايات
(٢١٨)