رفع الحدث نعم يلزم إذا لم يكن في آخر العضوان ينجس ما بعد النجس لو أجرى الماء منه عليه ولا بد حينئذ من صب الماء عليه مرة أخرى ليزول منه النجاستان وهذا لا يصير سببا للفرق بينهم في هذا الحكم اللهم إلا أن يتكلف ويقال إن الفرق بينهما باعتبار هذا المعنى لا بعدم رفع الحدث مما عدا آخر العضو ورفعه عنه لكنه بعيد ثم في كلامه (ره) خدشة أخرى حيث عد إزالة الأذى والنجاسة ابتداء من المسنونات معه أنه حكم بأنه ما لم يزل النجاسة ابتداء لم يرتفع الحدث وهذا يستلزم وجوبه ويمكن أن يكون مراده إزالة النجاسة عن أي عضو كان قبل الغسل فإنه ليس بواجب على هذا المذهب أيضا كما عرفت عل هذا الرأي إزالة النجاسة عن كل جزء حال إرادة غسله نعم يبقى المناقشة في الدليل الذي أورده على الاستحباب لأنه إنما يدل على الوجوب ولا يخفى توجيهه بتكلف ولا يذهب عليك إنه قد تقدم من الروايات يستنبط استحباب غسل الفرج قبل الغسل بل من بعضها استحباب إزالة النجاسة من أي عضو كان كصحيحة أحمد بن محمد المتقدمة في بحث الترتيب وفي بعض الروايات ورد الامر بغسل ما أصاب الجسد من الأذى وهو صحيحة يعقوب بن يقطين المتقدمة في بحث عدم وجوب الوضوء في غسل الجنابة وما رواه التهذيب في باب حكم الجنابة في الصحيح عن حكم بن حكيم قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن غسل الجنابة فقال أفض على كفك اليمنى من الماء فاغسلها ثم اغسل ما أصاب جسدك من أذى ثم اغسل فرجك وأفض على رأسك وجسدك فاغتسل فإن كنت في مكان نظيف فلا يضرك أن لا تغسل رجليك وإن كنت في مكان ليس بنظيف فاغسل رجليك ويمكن أن يكون المراد بالأذى النجاسة كما هو الظاهر ويمكن أن يكون أعم منها وبالجملة استحباب إزالة النجاسة ابتداء عن جميع البدن لا كلام فيه وأما غير النجاسة من الأذى فلا يخلو إثباته من إشكال واعلم أن المحقق الثاني (ره) قد نقل في شرح القواعد ما نقلنا من النهاية ثم قال والتحقيق أن محل الطهارة إن لم يشترط طهارته أجزأ الغسل مع وجود عين النجاسة وبقائه في جميع الصور ولا حاجة إلى التقييد بما ذكره خصوصا على ما اختاره من أن القليل الوارد إنما ينجس بعد الانفصال وإن اشترط طهارة المحل لم يجز غسلة واحدة لفقد الشرط والشايع على السنة الفقهاء هو الاشتراط فالمصير إليه هو الوجه انتهى وأنت خبير بأن ما ذكره من عدم إجزاء غسلة واحدة عند اشتراط طهارة المحل لا يصح على إطلاقه لان المراد من طهارة المحل إن كان طهارته حال رفع الحدث فيجزي الغسلة الواحدة في الكثير وفي القليل أيضا إذا كان إزالة النجاسة محتاجة إلى الصب مرة وإن كان المراد طهارته قبل رفع الحدث فيجزي في الكثير على وجه كما عرفت هذا والاحتياط أن يزيل النجاسة عن العضو قبل صب الماء للغسل عليه وتمام الاحتياط إزالتها عن أي عضو كان قبل الشروع في الغسل (ولا يجب غسل باطن الفم والأنف) قد مر في بحث المضمضة ما يدل عليه ويفهم من المنتهى الاجماع عليه قال ويجب عليه إيصال الماء إلى جميع الظاهر دون الباطن منه بلا خلاف انتهى ولو ظهر ما كان باطنا بقطع الانف والشفتين مثلا فالظاهر وجوب غسله نص عليه المصنف في الذكرى وذكر أيضا أن ما ظهر من صماخ الاذن في حكم الظواهر ونبه عليه الشيخان والصدوق ولا يجب تتبع باطن الصماخين وحكم أيضا بوجوب غسل ما يبدو من الشقوق وكل ذلك ظاهر أن الثقب الذي يكون في الاذن للحلقة هل هو في حكم الظاهر أو لا الظاهر أنه لو كانت ضيقة بحيث لا يرى باطنها كانت في حكم الباطن وإلا فالظاهر وقد ذهب إليه الفاضل الأردبيلي وصاحب المدارك رحمهما الله والمحقق الشيخ علي (ره) حكم في حاشية الشرايع بوجوب إيصال الماء إلى باطنه مطلقا والاحتياط فيما ذكره والله أعلم درس (الماء المطلق طاهر مطهر ما دام على أصل الخلقة) المراد بالماء المطلق ما يصح إطلاق اسم الماء عليه مطلقا من دون تقييد وإن صح التقييد أيضا كما يقولون ماء البحر وماء البر وماء النهر ونحوها والمضاف ما يقابله وهو ما لا يصح إطلاق الماء عليه مطلقا بل لا بد من تقييد كماء الورد ونحوه إذ لا يصح أن يقال عليه إنه ماء بدون تقييد والمراد بكونه على أصل الخلقة كون لونه وريحه وطعمه الأصلي باقيا ثم كونه طاهرا مطهرا من الحدث والخبث مطلقا سواء كان نازلا من السماء أو نابعا من الأرض أو ذائبا من الثلج أو البرد أو منقلبا عن الهواء مما وقع عليه إجماع المسلمين ويدل عليه الكتاب والسنة أيضا أما الكتاب فالدال منه على طهارته قوله تعالى وأنزلنا من السماء ماء طهورا والدال على مطهريته قوله تعالى وننزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به وقد نوقش في دلالته على عموم التطهير وأجاب عنها القوم ولا حاجة كثيرا إلى التعرض له وقد استدل عليه بالآية الكريمة الأولى أيضا وقد طال فيه التشاجر والتنازع ولا حاجة إلى التعرض له أيضا لان المطلب مما لا ينحصر دليله فيها حتى يلزم أن يتجشم لا تمامها وأما السنة فالدال منها على طهارته ما رواه التهذيب في باب المياه وأحكامها عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي بإسناده قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) الماء كله طاهر حتى يعلم إنه قذر وكذا عن حماد بن عيسى مثله وكذا عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله والرواية الأولى والأخيرة في الكافي في باب طهور الماء وروى الفقيه مرسلا في باب المياه قال وقال الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) كل ماء طاهر إلا ما علمت أنه قذر والدال على مطهريته ما رواه التهذيب في زيادات باب آداب الاحداث في الصحيح عن داود بن فرقد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض وقد وسع الله عليكم بأوسع ما بين السماء والأرض وجعل لكم الماء طهورا فانظروا كيف تكونون وقد رواه الفقيه مرسلا عن الصادق (عليه السلام) في الباب المذكور ولا يخفى أن المناقشة التي في كون الطهور في الآية بمعنى المطهر لا يتأتى هاهنا
(١٨٤)