وليس إذا الطهارة المفروضة يجوز أن يكون متوسطة بين الحدثين وقس عليه الصورة الثانية وحينئذ يرجع ورود النقضين أيضا كما لا يخفى اللهم إلا أن لا يعتبروا مثل هذا اليقين المتعلق بأمر ردد فيه بل إنما اعتبروا تعلق اليقين بأمر مشخص كالطهارة في الأولى والحدث في الثانية لكن إثبات الفرق مشكل وأما الاعتراض الثاني بعدم منافاته لكلام القائلين بالاطلاق فيمكن دفعه بأنه يجوز أن لا يكون مرادهم إن هذا القول مخالف لكلامهم البتة بل الغرض التفصيل في هذا المقام لئلا يعرض غلط للوهم لقلة التأمل ويحسب هذه الصورة أيضا داخلة تحت اليقين بهما والشك في الترتيب فإن كان كلام القائلين بالاطلاق أيضا مختصا بغير ما ذكره هؤلاء فنعم الوفاق وإلا فالنزاع قائم وأما ما ذكر من أنه على الفرض الذي فرضه العلامة (ره) لا يبقى الشك بل إنما يؤل إلى اليقين فدفعه أيضا بأنه لما كان حينئذ يتراءى الشك أول الوهلة وإن كان بعد التأمل يحصل اليقين فلذا أورد في مسألة الشك كما يوردون في مسألة الشك في مبدأ السعي فرض علم الزوجية والفردية وهو على الصفا أو المروة مع أن هناك أيضا يرتفع الشك بعد التأمل هذا وحجة القول الثالث إن الطهارة والحدث المعلومين بعد الحال السابق تعارضا وتساقطا فيرجع إلى الحال المعلوم أولا وضعفها ظاهر لان الحال لأول إنما ارتفع بيقين فاستصحابه مما لا معنى له أصلا واعلم إن العلامة (ره) اختار في المختلف هذا القول ظاهرا حيث قال أطلق الأصحاب القول بإعادة الطهارة على من تيقن الحدث والطهارة وشك في المتأخر منهما ونحن فصلنا ذلك في أكثر كتبنا وقلنا أن كان في الزمان السابق على زمان تصادم الاحتمالين محدثا يجب عليه الطهارة وإن كان متطهرا لم يجب انتهى ولا يخفى أنه ظاهر في اختيار هذا القول لكنه قال بعد ما نقلنا مثاله أنه إذا تيقن عند الزوال إنه نقض طهارة وتوضأ عن حدث وشك في السابق فإنه يستصحب حال السابق على الزوال فإن كان في تلك الحال متطهرا فهو على طهارته لأنه تيقن أنه نقض تلك الطهارة ثم توضأ ولا يمكن أن يتوضأ عن حدث مع بقاء تلك الطهارة ونقض الطهارة الثانية مشكوك فيه فلا يزول عن اليقين بالشك وإن كان قبل الزوال محدثا فهو الان محدث لأنه تيقن أنه انتقل عنه إلى طهارة ثم نقضها والطهارة بعد نقضها مشكوك فيها انتهى ولا يخفى ما فيه من الخلل لان الدليل الذي ذكره إن كان لاثبات هذا المثال الخاص الذي ذكره فمسلم لكن لا يثبت به الدعوى الكلية التي ادعاها أولا إذ هي غير منحصرة في هذا المثال لجواز أن لا يعلم أن الطهارة المعلومة كانت رافعة والحدث المعلوم ناقضا وإن كان لاثبات الدعوى الكلية ففساده ظاهر لأنه حينئذ يكون قوله لأنه تيقن أنه نقض تلك الطهارة ثم توضأ ممنوعا لجواز أن يكون ذلك الوضوء بعد الوضوء السابق تجديدا وكذا قوله لأنه تيقن أنه انتقل عنه إلى طهارة ثم نقضها لجواز أن يكون ذلك الحدث بعد الحدث السابق بلا فصل فالصواب أن يقال إن مراده من الاطلاق المذكور المقيد بهذين القيدين بقرينة التمثيل بالمثال المذكور وحينئذ ينطبق الدليل على المدعى ويعتبر كلامه مثل ما ذكره في التذكرة والقواعد يعنيه والايراد عليه حينئذ بأنه يخرج من مسألة الشك قد عرفت دفعه لكن مع هذا أيضا في كلامه بعض المناقشات إذ حينئذ لا يصيب قوله ونقض الطهارة الثانية مشكوك فيه مرة أخرى إذ لا شك على هذا الفرض في نقض الطهارة بل إنما تيقن بعدم نقضها وكذا قوله والطهارة بعد نقضها مشكوك فيها إذ الطهارة بعد نقضها يقينا ليست بمشكوك فيه بل إنما تيقن بعدمها اللهم إلا أن يقال أنه (ره) قد فرض التعاقب في المثال ولم يفرض الاتحاد فيجوز أن يكون لشك في الصورتين بناء على احتمال تجويز حدث آخر غير الحدث المتيقن أو طهارة أخرى غير الطهارة المتيقنة وكذا يناقش في قوله يستصحب حال السابق لأنه ليس بالاستصحاب المصطلح ونقل عنه في دفعها إنه أراد به لازم الاستصحاب بخبر إذنه إذا حكم بكونه متطهرا مع تخلل الحدث لمزيل لحكم الاستصحاب للطهارة الأولى أثبت لازمه وكذا الحدث هذا ثم أن الشهيد الثاني (ره) في شرح الارشاد بعد نقله كلام القائلين بالاطلاق وكلام المختلف والمعتبر قال والذي يحصل لنا في المسألة بعد تحرير كلام الجماعة أنه إن علم التعاقب فلا ريب في الاستصحاب وإلا فإن كان لا يعتاد التحديد بل إنما يتطهر حيث يتطهر طهارة رافعة للحدث فكلام المحقق مع فرض سبق الحدث أوجه لضعف الحكم بوجوب الطهارة مع العلم بوقوعها على الوجه المعتبر وعدم العلم بتعقب الحدث لها المقتضي للابطال إذا علم إنه كان قبلهما محدثا ولا يرد حينئذ أن يقين الحدث مكاف ليقين الطهارة لأن الطهارة قد علم تأثيرها في رفع الحدث أما الحدث فغير معلوم نقضه للطهارة لاحتمال أن يقع بعد الحدث الأول قبل الطهارة إذا الفرض عدم اشتراط التعاقب فلا يزول المعلوم بالاحتمال بل يرجع إلى يقين الطهارة مع الشك في الحدث وكلام المختلف في فرض سبق الطهارة أوجه لان نفي احتمال التجديد يقتضي توسط الحدث بين الطهارتين إلا أن هذا القسم راجع إلى التعاقب فلا يحتاج إلى استدراكه ها هنا وإن لم يتفق له تحقق هذه القيود بل إنما تحقق الطهارة والحدث وشك في المتأخر منهما من غير تحقيق لحاله كما ذكرناه وجب عليه سواء تحقق هذه القيود بل إنما الطهارة علم حاله قبلهما أم لا لقيام الاحتمال واشتباه الحال انتهى وفيه نظر لان تقييده الحكم بالبناء على الطهارة في الصورة المذكورة بكونه متطهرا حيث يتطهر طهارة رافعة للحدث غير مجوز للتجديد مما لا وجه له أصلا لان الدليل الذي ذكره لو سلم تماميته وقطع النظر عن الايراد الذي ذكرنا في القول الثاني لدل على البناء على الطهارة في الصورة المذكورة وإن كان معتاد للتجديد أيضا لأنه إذا علم أن الحالة السابقة كانت حدثا فيعلم بالضرورة إن الطهارة المتيقنة بعده واقعة على الوجه المعتبر رافعة للحدث لأنه أما أن يعلم ومدة الطهارة أولا فإن علم الوحدة فالأمر ظاهر لان تلك الطهارة الواحدة رافعة للحدث البتة لأنها أما بعد الحدث السابق بلا فصل أو بعد الحدث الثاني وعلى التقديرين يكون رافعة البتة وإن لم يعلم الوحدة فحينئذ أيضا معلوم إن تلك الطهارات المتعددة على الاحتمال أو اليقين طهارة رافعة للحدث
(١٤٤)