إذا لم يستيقن الوضوء وهو لا يستلزم المراد من اعتبار اليقين في الوضوء إذ يجوز أن يكفي الشك فيه أيضا لكن يكون إحداث الوضوء حينئذ غير محذر عنه بخلاف ما إذا تيقن واعلم إن ظاهر كلام الأصحاب إن الظن أيضا حكمه حكم الشك وهو ظاهر بالنسبة إلى الحكم الأول لظهور دلالة الرواية المذكورة عليه مع تأييده بأصالة البراءة واستدل المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى أيضا بأن الظن لم يعتبر ما لم يعتبره الشارع كالشهادة بخلاف الظن الحاصل الحاكم بما لا ينوط باعتباره فإنه لا يعمل به ولا به رجوع عن اليقين إلى المظنون وهو باطل ولا يخفى ما في كونه رجوعا عن المتيقن إلى المظنون فتدبر قال المحقق البهائي (ره) في الحبل المتين ثم لا يخفى أن الظن الحاصل بالاستصحاب فيمن تيقن الطهارة وشك في الحدث لا يبقى على نهج واحد بل يضعف بطول المدة شيئا فشيئا بل قد يزول الرجحان ويتساوى الطرفان بل ربما يصير الطرف الراجح مرجوحا كما إذا توضأ عند المسح مثلا وذهل عن التحفظ ثم شك عند الغروب في صدور الحدث منه ولم يكن من عادته البقاء على الطهارة إلى ذلك الوقت والحاصل إن المدار على الظن فما دام باقيا فالعمل عليه وإن ضعف انتهى كلامه ولا يخفى إن هذا إنما يصح لو بنى المسألة على ما تيقن بحصوله في وقت ولم يعلم أو يظن طرفا يزيله يحصل الظن ببقائه فالشك في نقيضه لا يعارضه إذا الضعيف لا يعارض القوي لكن هذا البناء ضعيف جدا بل بنائها على الروايات مؤيدة بأصالة البراءة في بعض الصور وهي تشمل الشك والظن معا فإخراج الظن عنه مما لا وجه له وأما في الحكم الثاني ففيه إشكال لان صحيحة زرارة المتقدمة كما يمكن أن يستدل بها على عدم اعتبار الظن نظرا إلى مفهوم ويمكن تنقضه بيقين آخر كذلك يمكن أن يستدل بها على اعتباره بمفهوم لا ينقض اليقين بالشك مع أن الأصل براءة الذمة اللهم إلا أن يتمسك بالاجماع وبعموم قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم الآية خرج ما إذا تيقن بالطهارة السابقة وشك في الحدث بالدليل فبقي الباقي وفيه ما مر غير مرة من منع العموم هذا ثم أنه أورد في هذا المقام إشكال وهو أن الشك بأحد النقيضين ينافي اليقين بالنقيض الاخر فكيف يمكن اجتماع الشك في الحدث مع اليقين بالطهارة وكذا العكس وأجاب عنه المصنف في الذكرى بقوله قولنا اليقين لا يرفعه الشك لا نعني به اجتماع اليقين والشك في الزمان الواحد لامتناع ذلك ضرورة إن الشك في حد النقيضين يرفع يقين الا اخر بل المعنى به ان اليقين الذي كان في الزمن الأول لا يخرج عن حكمه بالشك في الزمن الثاني لأصالة بقاء ما كان فيؤول إلى اجتماع الظن والشك في الزمان الواحد فيرجح الظن عليه كما هو مطرد في العبادات انتهى وفيه نظر لأن الشك بأحد النقيضين كما ينافي اليقين بالنقيض الاخر كذلك ينافي الظن به أيضا البتة فالفرار من اليقين إلى الظن لا يغني من الحق شيئا اللهم إلا أن يراد بالشك الوهم والصواب أن يقال المراد بيقين الحدث البقية في زمان معين كالظهر مثلا بوقوع حدث في زمان سابق عليه كالغداة سواء كان المراد بالحدث نفس البول مثلا أو أثره الحاصل منه وبالشك في الطهارة في ذلك الزمان أيضا بحدوث طهارة بعد الغداة سواء كان المراد بالطهارة أيضا الوضوء أو أثره ولا شك إن اجتماع اليقين والشك بهذا المعنى مما لا شك فيه لعدم تناقض متعلقيهما لاختلاف الزمان ولا يخفى أن ما ذكره المصنف أيضا وجه دفع لكن ينبغي ان يسقط عنه قوله فيؤول إلى الاخر وبما ذكر ظهر أنه قد قصر صاحب المدارك في هذا المقام حيث قال المراد بالحدث هنا ما يترتب عليه الطهارة أعني نفس السبب لا الأثر الحاصل من ذلك وتيقن حصوله بهذا المعنى لا ينافي الشك في وقوع الطهارة بعده وإن اتحد وقتهما انتهى (ولو تيقنها لا ترتيبهما تطهر) قد أطلق القول في هذا الحكم جمع من الأصحاب كالثلاثة رحمهم الله وغيرهم أيضا كالمحقق والعلامة رحمهما الله في بعض كتبهما ونقل العلاقة (ره) في التذكرة عن الأصحاب كما هو الظاهر قولين آخرين أحدهما أنه إن لم يسبق له وقت يعلم حاله فيه أعاد وإن سبق بنى على ضد تلك الحال وثانيهما أنه يراعى في الشق الأخير الحال السابق فيبنى عليه إن محدثا فمحدث ولن متطهرا فمتطهر ثم قال والأقرب أن نقول إن تيقن الطهارة و الحدث متحدين متعاقبين ولم يسبق حالة علم على زمانهما تطهر ولن سبق استصحب وهذا مختاره في القواعد أيضا ومراده بقوله متحدين متعاقبين استوائهما في العدد وكون الطهارة رافعة للحدث والحدث ناقضا لها بمعنى أنه تيقن إن لوضوء الذي علم تحققه كان وضوءا رافعا لا مجددا وكذا الحدث المتحقق وقوعه كان حدثا ناقضا لا حدثا بعد الحدث والظاهر من المعتبر الميل إلى القول الثاني من المختلف إلى الثالث وإذ قد تقرر هذا فلنشرع في ذكر أدلة الأقوال وما يتعلق بها من القيل والقال حجة القول الأول كما ذكره الشيخ في التهذيب أنه مأخوذ على الانسان أن لا يدخل في الصلاة إلا بطهارة فينبغي أن يكون مستيقنا بحصول الطهارة له ليسوغ له الدخول بها في الصلاة ومن لا يعلم إن طهارته سابقة للحدث فليس على يقين من طهارته ووجب عليه استينافها وأنت خبير بأن هذا إنما يتم لو ثبت عموم قوله تعالى إذا قمتم الآية بالتقريب الذي ذكرنا آنفا وأما إذا لم يثبت فلا إذ لو كان إذا فيه للاهمال أو يكون مقيدا بأن كنتم محدثين كما ذكره بعض فعلى الأول إنما يسلم وجوب الوضوء فيما لو كان إجماع أو دليل آخر ولم يتحقق فيما نحن فيه فلا وجوب ولو تمسك بأنه ثبت الوجوب في بعض الأوقات ولم يعلم بعينه فوجب الاتيان في جميع الأوقات إلا ما أخرجه الدليل تحصيلا للبراءة اليقينية ففيه ما مر غير مرة من أن في أمثال هذه الصورة يكفي الاتيان بالقدر المتيقن وهو فيما نحن فيه الاتيان في الوقت الذي يعلم عدم الطهارة فيه وعلى الثاني نقول إن غاية ما يسلم منه وجوب الوضوء عند اليقين بالحدث وليس ها هنا فليس مع أنه لو سلم العموم أيضا لأمكن أن يقال إن موثقة ابن بكير قد خصصها بغير هذه الصورة لأنها دلت على أنه إذا حصلت اليقين بالوضوء فلا تتوضأ إلا إذا حصل اليقين بالحدث فها هنا يقين
(١٤٢)