باقيا ولا بد من وضوء آخر وكذا إذا ثبت عموم الوجوب عند القيام إلى كل صلاة إلا ما خرج بالدليل إذ حينئذ أيضا يكون القايل بالاجزاء مستدلا فإن قلت لا شك أنا إذا ذهلنا عن الاتيان بالفعل وظننا أو جزمنا بعدم الاتيان ولم نأت به ثانيا فإنا نستحق العقاب بذلك الترك فظهر أن الاتيان حينئذ إنما هو مقتضي التكليف وثبت إن الوضوء الثاني امتثال للامر قلت على تقدير استحقاق العقاب بالترك لا نسلم حينئذ أن التلكيف الشرعي ثابت بل إنما هو بمقتضى حكم العقل إلا ترى أنه على تقدير الاتيان بالمأمور صحيحا أيضا لو ذهل عنه فإنه يحكم بلزوم الاتيان ثانيا واستحقاق العقاب بتركه مع أنه لا شك في سقوط التكليف الشرعي حينئذ البتة لكن لا يبعد أن يقال إذا ورد أمر بشئ بدون تقييده بشرط فالظاهر اقتضاء الامر ذلك الشئ على جميع التقادير وعدم الرخصة في تركه على حال وهذا إنما يستلزم استحقاق العقاب على عدم الاتيان به على جميع الأحوال إذ لو لم يستحق العقاب على حال فلم يرد الامر ذلك الشئ منه على تلك الحال وإنما يتقيد ذلك الامر بشرط باعتبار حكم العقل أو تقييد من الامر وعند ذلك يسقط استحقاق العقاب أيضا لم يأت به على تقدير فوات ذلك الشرط وأما بدونهما فلا (وإذا تقرر هذا) فنقول إن الامر قد ورد بالوضوء مطلقا بدون تقييد فيكون مقتضيا له على جميع الأحوال ويستحب العقاب بتركه أيضا على جميعها لكن قد خرج بالعقل ما إذا ترك وظن أو قطع بعدم الترك وبقي ذلك الظن أو القطع إلى خروج الوقت لاستحالة تكليف الغافل وأما غير هذه الحال مثل ما نحن بصدده أي مآل زوال ذلك الظن أو القطع فينبغي أن يحكم باستحقاق العقاب بالترك عليه إذ لم يحكم العقل بخروجه لعدم استحالته ولا تقييد من الامر أيضا فيكون التكليف حينئذ باقيا والوضوء الثاني امتثالا له فتدبر فإن قلت هل لا يمكن الاستدلال بارتفاع الحدث السابق وعدم الاحتياج إلى وضوء آخر حينئذ برواية ابن بكير المتقدمة من قوله (عليه السلام) إذا استيقنت إلخ إذ اليقين بالوضوء حاصل حينئذ فلا حاجة إلى وضوء آخر حينئذ قلت الظاهر لا أما أولا فلانا قد ذكرنا إن النسخة في هذه الرواية مختلفة وعلى بعض نسخ الكافي لا دلالة لها على المرام وعلى نسخة التهذيب وإن كان لها دلالة لكن لم يبق الظن بصحتها مع اختلاف النسخ وأيضا توثيق ابن بكير لا يخلو من إشكال وأما ثانيا فلان الظاهر أن المراد بالوضوء الوضوء الذي كان امتثالا لأمر الله تعالى لا الوضوء مطلقا فتأمل فيه وأما إذا لم يقل أحد بذلك القول ولم يسلم عموم وجوب الوضوء بل إنما يسلم وجوبه فيما يثبت بإجماع أو دليل فحينئذ يترائى في بادي الرأي إن القايل بالاجزاء مانع وإنما يكون يكفيه احتمال أن يكون ذلك الوضوء الثاني امتثالا لأمر شرعي لكن عند التحقيق لا يكفيه ذلك الاحتمال حينئذ أيضا إذ التكليف ما لم يثبت عند المكلف يكون مرتفعا في الواقع اللهم إلا إذا كان عد الثبوت عنده بسبب تقصير وتفريط منه كما ذكر في موضعه فالتكليف إذا كان على الاحتمال يكون متيقن الانتفاء فلا يجدي في المرام نعم يمكن منع وجوب إعادة الوضوء حينئذ لكن لا مستندا بإجزاء أحد الوضوئين بل لما عرفت أن عموم الوجوب غير ظاهر ولا دليل فيما نحن فيه إذ الاجماع منتف لتحقق الخلاف والاستصحاب أيضا غير جار لعدم تسليم تحقق معنى الحدث فإن قلت إن لم يتحقق معنى الحدث الذي هو الرافع فلا شك في تحقق معنى الرفع وإنكاره مكابرة قلت هب أن هذا المعنى متحقق لكن إثبات استصحابه مشكل إذ الاثبات أما بطريق الأصحاب في حكم الاستصحاب من حديث حصول الظن واتباعه فهو من الوهن بحيث لا يخفى وأما بما ذكرنا سابقا في بحث جواز المسح بشعب حجر واحد فإجرائه ها هنا مشكل كما لا يخفى فإن قلت الاجماع منعقد على أن استباحة الصلاة بعد الحدث إنما يكون باعتبار وضوء صحيح والقائلون بعدم وجوب الإعادة حينئذ إنما يقولون به باعتبار أنهم اعتقدوا صحة أحد الوضوئين وإذ قد ثبت عدم صحتهما فعند ذلك القول بعدم وجوب الإعادة يكون خرقا للاجماع قلت لا نسلم انعقاد الاجماع أصلا في هذا المعنى ولو سلم انعقاد إجماع في الجملة وقيل إن منعه مطلقا مكابرة فنقول أما أن أريد بالوضوء الصحيح في الواقع أو في نظر المكلف فإن أريد الثاني فالمراد أما الصحيح في نظر وقت فعله أو بعده أيضا فإن أريد الصحيح في نظره وقت الفعل فهو مسلم ولا نسلم انتفائه ها هنا وهو ظاهر وإن أريد بعد الفعل أيضا فممنوع وكذا يمنع أيضا إن أريد الصحيح في الواقع أي في حكم الله تعالى الواقعي ولو سلم فنقول إن أريد الاجماع على صحته في الواقع مع العلم بصحته أيضا فممنوع وإن أريد به الصحة مطلقا أعم من أن يكون مع العلم أولا فمسلم لكن لا نسلم انتفاء ها هنا إذ ما ذكرنا في نفي صحته ليس قطعيا حتى لا يمكن تجويز خلافه بل ظنيا فحينئذ نجوز أن يكون في حكم الله تعالى صحيحا كما ذكره الأصحاب وقد أخطأنا نحن في الظن بعدم صحته وأيضا الوضوء الأول لعله كان صحيحا و ها هنا كلام آخر سيذكر بعيد هذا وقس عليه الحال إذا لم يكن الوضوءان الواجبان في الوقت بل يكونان خارجين أو أحدهما خارجا والاخر داخلا وكذا إذا كان الثاني تجديد الأول وكذا حال الاحتمال الأول أيضا ولا يخفى جريان هذه الأبحاث في الاشكالين السابقين أيضا ثم أيضا اعلم إن في أصل المسألة قولا آخر قد قواه العلامة في المنتهى ونسبه المصنف في الذكرى إلى ابن طاووس (ره) وهو عدم الالتفات إلى هذا الشك مطلقا لأنه يرجع إلى الشك في الوضوء بعد الفراغ لأن الشك في إلحاق المتروك بالمعين منهما هو الشك في ترك أحد الأعضاء الواجبة وقد فرق بينهما بأن اليقين ها هنا حاصل بالترك وإنما حصل الشك في موضوعه بخلاف الشك بعد الفراغ فإنه لا يقين فيه بوجه والمتبادر من الاخبار المتضمنة لعدم الالتفات إلى الشك في الوضوء بعد الفراغ الوضوء المتحد الذي حصل الشك فيه بعد الفراغ منه ولا يخفى أنه لو سلم التبادر المذكور فالامر كما ذكر ولو سلم الشمول لما نحن فيه فالامر ظاهر من عدم الالتفات إلى الشك ولو كان الامر مرددا بين الشمول وعدمه كما هو الظاهر فحينئذ يبنى الكلام على أن الأصل عموم الوجوب ويحتاج عدمه إلى دليل أو بالعكس فعلى الأول يحكم بالالتفات إلى الشك وعلى الثاني بعدمه وأنت خبير بأن
(١٤٧)