ما ذكرنا ها هنا من بناء الكلام على هذا الأصل وكذا نظيره مما تقدم في الاشكال السابق إنما هو بالنظر إلى الصلاة اللاحقة مثلا وإنما بقي الكلام باعتبار نفس ذلك التكليف اليقيني بهذا الوضوء الذي قد أتى به مرتين فنقول حينئذ مستدلا على عدم إجزاء ذينك الوضوئين إذا قد علمنا يقينا إنا مكلفون بالاتيان بهذه الافعال المعهودة امتثالا للامر وبعد ظهور الخلل في أحد الوضوئين لم يعلم الاتيان بجميع هذه الأفعال امتثالا لان الوضوء الأول يحتمل عدم تماميته والوضوء الثاني ليس امتثالا لأمر كما بينا فلا بد من وضوء آخر ليحصل العلم بالامتثال قضاء لحق التكليف وهذا الاستدلال إنما يختص بحال بقاء الوقت ويمكن إطراده في حال الخروج أيضا بعدم القول بالفرق بعكس الاستدلال بالاستصحاب و عموم الآية كما لا يخفى ويمكن أن يجاب أولا بمنع اقتضاء التكليف بشئ أزيد من أن يؤتى بذلك الشئ معتقدا صحته وإن ظهر الفساد بعد ذلك والآتيان ثانيا بعد ظهور الفساد لو كان في بضع المواضع فبتكليف آخر وثانيا بتسليمه والقول بأنه إنما يقتضي الاتيان ثانيا بعد ظهور الخلل لو ائوت به مرة أخرى بظن أنه امتثال لأمر ذلك الامر وإن لم يأمر به في الواقع لا يقال إذا لم يكن أمر في الواقع فكيف يكون ذلك الاتيان امتثالا للامر لأنا نقول إنا لا نقول بأنه امتثال للامر بل بأنه مسقط للتكليف ولا بعد في أن لا يكون شئ امتثالا للامر مع كونه مسقطا له كما يسقط الامر بنسيانه والذهول عنه وكذا سقوط الامر بغسل الثوب بوقوعه في الماء بدون فعل العبد مع أن ما نحن فيه أولى بهذا المعنى وبالجملة القدر اليقيني من اقتضاء التكليف اليقيني ما ذكروا الزائد عليه مشكوك لا بد له من دليل وعند الشك لا وجوب فتأمل في الكلام لتحيط بأطراف المقام ويظهر لك ما في الزوايا من الخبايا (ولو تعدد بالنسبة إلى بعض الصلوات أعاد الأخرى) يعني أنه إذا توضأ وصلى بدون حدث فحينئذ تجب إعادة الصلاة المتوسطة البتة لاحتمال أن يكون الخلل واقعا في الوضوء الأول وأما الصلاة الأخيرة التي تعدد الوضوء بالنسبة إليها فلا يجب إعادتها في الأحوال التي حكم فيها بإجزاء أحد الوضوئين فيما تقدم لأنها واقعة بوضوء صحيح البتة أما الأول وأما الثاني وأما في الأحوال التي حكم فيها بعدم الاجزاء فيعيدها أيضا هذا على القول المشهور وأما على القول بإجزائهما معا كما نقلنا من المنتهى وظهر من تضاعيف الكلمات السابقة قوته فلا يعيد شيئا من الصلاتين أصلا (ولو علمه) أي ترك واجب من أفعال الوضوء (في صلاة يوم) أي في جميع صلواته (تام) ليس بقصر (بخمس) أي بخمس طهارات (صلى ثلاثا) أي ثلاث صلوات والحاصل إنه إذا توضأ أحد في يوم ليس فيه تقصير لكل صلاته الخمس وضوءا لكن بشرط أن يقع حدث بعد كل صلاة ثم ذكر أنه ترك واجبا في إحدى الطهارات فحينئذ تفسد صلاة واحدة منها البتة فيجب إعادتها فالمصنف وكثير من الأصحاب ذهبوا إلى أنه يكفي أن يصلي ثلاث صلوات صبحا ومغربا ورباعية مرددة بين الظهر والعصر والعشاء والشيخ في المبسوط و أبو الصلاح وابن زهرة ذهبوا إلى وجوب خمس صلوات واحتج الشيخ بأن لا صلاة منها إلا وهي معرضة لا يكون إذ لها بالوضوء الفاسد ولا يبرء ذمته بيقين إلا إذا صليها جميعا ولا يخفى أن هذه الحجة بمجردها لا يدل على وجوب الخمس إذ غاية ما يلزم منها أن يجب الاتيان بما يحصل معه اليقين باتيان ما فسد على جميع الاحتمالات وهو يصحل بالثلاث أيضا لكن كأنهم اعتبروا اليقين أما بوجوب الجزم في النية وبطلان الترديد وأما لما روي من أن فاتته صلاة يقضيها كما فاتته وجه الاستدلال إن الصلاة الفايتة كانت بنية معينة لا مرددة فيجب أن يكون القضاء أيضا كذلك وفي الوجهين نظر أما في الأول فلمنع وجوب الجزم في النية ولو سلم فإنما هو فيما يمكن الجزم وها هنا ليس يمكن إذ على ما ذكروه أيضا لا جزم في النية لأنه وإن كان الجزم حينئذ حاصلا باعتبار الصلاة لكن لا جزم باعتبار الوجوب والحاصل أنه لا بد من عدم جزم في النية أما باعتبار الصلاة وأما باعتبار الوجوب فترجيح أحدهما على الاخر لا بد له مرجح وليس لهم بل المرجح مع المشهور كما سنذكر وأما في الثاني فبالنقض أيضا لان الصلاة الفايتة كما كانت نيتها معينة باعتبار الصلاة كذلك كانت معينة باعتبار الوجوب فما هو جوابكم فهو جوابنا وحجة المشهور أصالة البراءة عن القدر الزايد وما روي من أن ناسي صلاة واحدة من صلوات يوم لم يعلمها بعينها يصلي ركعتين وثلاثا وأربعا وتعجب المصنف (ره) في الذكرى عن الشيخ (ره) حيث عمل بهذه الرواية في باب النسيان ولم يعمل بها في هذا الباب مع أن لا يعقل الفرق واعتذر عنه إن هذا الحكم لما كان مخالفا للأصل باعتقاده باعتبار وجوب اليقين فإنما اقتصر فيه على مورد السماع ولم يقس غيره عليه وهو جيد وبما ذكرنا ظهر إن القوة مع المشهور لكن يمكن الاحتجاج على قول الشيخ بوجه آخر إلزاما على المصنف (ره) وغيره من القائلين بوجوب الجهر والاخفات إذ القضاء لما كان يجب أن يكون مثل الفايت فعند الترديد لم يحصل اليقين بالمماثلة إذ لو جهر في الرباعية المرددة لجاز أن يكون الفايتة الظهر أو العصر فلم يحصل المماثلة وكذا لو أخفت والرواية المذكورة مع عدم صحة سندها والارسال الواقع فيها مختصة بصورة معينة فالتعدي عنها غير جايز هذا مجمل القول في هذا لا مقام وسيأتي تفصيله إنشاء الله تعالى في بحث قضاء الصلاة واعلم إن ما ذكر حكم الصلاة وأما حكم الوضوء فإن أحدث بعد الصلاة الأخيرة أيضا فلا إشكال ولو لم يحدث بعدها فيكون الكلام فيه أيضا مثل الكلام في المسألة السابقة من أنه هل يرجع إلى الشك بعد الفراغ أم لا وكذا بعض الأبحاث الأخرى ولا يخفى أنه تجري في الطهارات الاحتمالات السابقة ويرد في بعضها أيضا الاشكال بقياس أما سبق وإن هذا الحكم جار فيما إذا علم تخلل حدث بين إحدى الطهارات والصلاة بدون خلل فيها وإنما قيدنا الحكم أولا بشرط وقوع الحدث بعد كل صلاة إذ لو لم يقع الحدث فلا يخلو أما أن يكون من قبيل ما يجزي طهارتان أولا فإن كان الأول فصلواتها صحيحة قطعا سوى الأولى لأنها محتملة الفساد وإن كان الثاني فيجب إعادتها جميعا لجواز أن يكون الخلل في الوضوء الأول فيفسد جميع الطهارات (وفي القصر اثنين) أي لو
(١٤٨)