ومن يجري مجراه، لم يرد مورد الحجة، وإنما وردت به أخبار شاذة ضعيفة سخيفة لا توجب علما ولا ظنا وما يرد هذا المورد لا يلتفت عليه، فضلا عن أن يصدق به، والكهانة غير مستندة إلى أصل، ولا لها طريق في مثله شبهة.
وشبهة المنجمين فيما يدعونه من العلم بالأحكام، كأنها أقوى وهي باطلة ، وقد كشف العلماء عن فضائحهم، ودلوا على بطلان أقوالهم . وقد كنا أملينا منذ سنوات في جواب مسائل سئلنا عنه مسألة استوفينا فيها الكلام على المنجمين، وبينا من طرق قريبة واضحة بطلان طريقهم الذي يدل على صحة ما ذكرناه.
وأن الأخبار عن الغيوب مما ينفرد الله تعالى بعلمه، ولا يجوز أن يعلمه كاهن ولا منجم، أنه قد ثبت به خلاف (1) بين المسلمين أن إحدى معجزات نبينا صلى الله عليه وآله الإخبار عن الغائبات الماضيات والكائنات، وأنه أدل دليل بانفراده على صحة نبوته.
ولو كانت الكهانة صحيحة، إما باستراق السمع الذي قيل، أو بغيره من التخمين والترجيم، لما كان الخبر عن الغيوب معجزا ولا خارقا للعادة، ولا دالا على نبوة، وقد علمنا خلاف ذلك.
فأما القافة الذين يلحقون الأبناء بالآباء والقرابات بقراباتهم، فلهم على ذلك أمارات من الخلق والصور والشمائل، يستدلون بها، فيصيبون على الأكثر والكاهن لا أمارة له ولا طريقة يستند ما يخبر به إليها.
وإنما نسب عليه السلام إلى الكهانة، لإخباره عن الغيوب، وعد ذلك في جملة آياته ومعجزاته، فلما وجدوا أخباره عنها صدقا نسبوه إلى الكهانة.