ولما كان انتفاء الآفات عن الحواس وصحتها واستقامتها حكما يرجع إليها ولا يتعداها، جرى مجرى الحركة في أن حكمها مقصور على محلها من غير تعد إلى الجملة، فلم يجز أن يكون لانتفاء الآفات عن الحواس، فابر (1) من كون المدرك مدركا.
ولما كان كونه حيا صفة يرجع إلى من يرجع إليه كونه مدركا، جاز أن يؤثر في كونه مدركا، لأنه إذا كان لا بد مؤثرة (2) ومقتضى لكونه مدركا، ولم يجز أن يكون صفات الحاسة مقتضية لذلك، فلم يبق إلا أن المتقضي هو كونه حيا، لأن أحدنا يقف كونه مدركا على كونه حيا وصحة حواسه. وإذا بطل أن يكون ما يرجع إلى الحواس مقتضيا لما ذكرنا، فليس المقتضي [إلا] هو كونه حيا.
فأما كون صحة الحاسة شرطا هو فينا دونه تعالى، لاختصاص ما يقتضي كونه شرطا بنا واستحالته عليه تعالى. وإنما قلنا أن هذا الشرط يختص بنا، فلا يتعدى إليه، لأن أحدنا لو كان حيا لنفسه أو حيا بحياة معدومة، أو حيا بحياة لا يحله، لم يجب اشتراط صحة الحواس في كونه مدركا.
ولما كان حيا بحياة، فصار محل الحياة آلة له في إدراك المدركات، إما بمجرد كونه محلا للحياة، أو بأن يحتاج المحل إلى صفة زائدة على كونه محلا للحياة، ككونه عينا، أو أنفا، أو أذنا.
فقد عاد الأمر إلى أن اشتراط صحة الحواس وانتفاء الآفات عنها، إنما هو لأمر يرجع إلى الحياة ومحلها، فمن كان حيا لا بحياة بل بنفسه، مستغن عن هذا الشرط، لاستحالة مقتضيه فيه.