عن الاتيان بمثله بمذهب الصرفة أشبه وأليق، لأن ذلك يقتضي أنه لو لم يعجزهم عن الاتيان بمثله يفعلوا.
ولو كان في نفسه معجزا ما جاز أن يقال: وأعجزهم عن معارضته. لأن معارضته في نفسها متعذرة، على أن قوله عليه السلام لا بد لكل منا من تأويله على ما يطابق مذهبه، والقول محتمل غير صريح في شئ بعينه.
فمن ذهب إلى أن للاعجاز تعلق بالفصاحة تناولها (1) على أن المراد الفصاحة دون ألفاظه ومعانيه وحروفه.
ومن ذهب إلى أن المعجز هو النظم، حمل ذلك على أن المراد به زاد نظمه عليهم.
وصاحب الصرفة يقول: إنما زاد بالصرف عن معارضته عليهم. ويكفي أن يكون في هذا الخبر بعض الاحتمال المطابق مذهب الصرفة.
فإذا قيل: فأي مناسبة بين الصرفة وبين ما كان يتعاطاه القوم من الفصاحة، وليس نجد على مذهبهم هاهنا مناسبة، كما وجدناها في آيتي موسى وعيسى عليهما السلام.
قلنا: وأيضا مناسبة، لأنهم لما صرفوا عن معارضة القرآن بما يضاهيه في الفصاحة، صار عليه السلام كأنه زاد عليهم التي كانوا بها يدنون وإليها ينسون (2)، صار كتعذر مساواة السحرة بمعجزة موسى عليه السلام، وإن كان تعذر ذلك لأنه في نفسه غير مقدور لهم وهذا إنما تعذر للصرف عنهم حسب والتعذر مختلف والتعدد حاصل، فمن هاهنا حصلت المناسبة بين المعجزات.