الجواب:
نفرض السؤال إنا إذا قررنا بأن عدم الحاسة آكد من فسادها في انتفاء الادراك وارتفاعه.
قيل لنا: فيجب أن يكون القديم تعالى غير مدرك، لأنه لا حاسة له.
والجواب عن هذا: إن فقد الحاسة إنما كان مخلا بالإدراك فيمن كان يحتاج إلى الحواس في الادراك كالواحد منا. وأما من لا يحتاج إلى الحواس في الادراك كالقديم تعالى، فلا يجب أن يكون فقد الحواس فيه مخلا بكونه مدركا.
ألا ترى أن فساد الجوارح والآلات في الواحد منا يخل بكثير من أفعاله التي نحتاج فيها إلى تلك الجوارح والآلات، ولما كان فساد الآلة أو الجارحة في أحدنا مخلا بفعله، كان فقد الجارحة أو الحاسة آكد وأبلغ في الاخلال بصحة ذلك الفعل.
وقد علمنا أن القديم تعالى لا جارحة له ولا آلة، ولا يجب لذلك أن يتعذر الفعل عليه، لأن وجود الآلة والحاسة، أو صحتهما إنما كانا شرطا في القادر بقدرة دون القادر لنفسه، وهذا مما تقدم بيانه في المسألة الأولى.
فأما ذكر الشاهد والغائب فهو في غير موضعه، لأنا لا نوجب في الغائب كل ما نوجبه في الشاهد، إلا إذا اشتركا في العلة والموجب أو المقتضي. فأما على غير ذلك، فلا نلحق الغائب بالشاهد. ألا ترى أن أحدنا لا يكون فاعلا إلا بعد أن يكون جسما مؤلفا من جواهر مركبا وبعد أن يكون له رأس.
وكلنا نثبت أن القديم تعالى يكون فاعلا وإن لم يكن بهذه الصفات، فقد خالفنا بين الشاهد والغائب، لما اختلف الأسباب والعلل. ولما لم يكن