وتلك الحكاية البليغة الطويلة لا تجب أن تكون النملة قائلة لها ولا ذاهبة إليها، وأنهما لما خوفت من الضرر الذي أشرف النمل عليه، جاز أن يقول الحاكي لهذه الحال تلك الحكاية البليغة المرتبة، لأنها لو كانت قائلة ناطقة ومخوفة بلسان وبيان لما قالت إلا مثل ذلك.
وقد يحكي العربي عن الفارسي كلاما مرتبا مهذبا ما نطق به الفارسي وإنما أشار إلى معناه.
فقد زال التعجب من الموضعين معا، وأي شئ أحسن وأبلغ وأدل على قوة البلاغة وحسن التصرف في الفصاحة من أن تشعر نملة لباقي النمل بالضرر لسليمان وجنده بما تفهم به أمثالها عنها، فتحكي هذا المعنى الذي هو التخويف والتنفير بهذه الألفاظ المونقة والترتيب الرائق الصادق. وإنما يضل عن فهم هذه الأمور وسرعة الهجوم عليها من لا يعرف مواقع الكلام الفصيح ومراتبه ومذاهبه.
تمت المسائل وأجوبتها، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين، حسبنا الله ونعم الوكيل.