الجواب:
إعلم إنا كنا قد ذكرنا فيما سلف من كتبنا أن المانع لأمير المؤمنين عليه السلام من المنازعة في الأمر لمن استبد به عليه ووعظه له وتصريحه بالظلامة منه، يمكن أن يكون وجوها:
أولهما: أن رسول الله صلى الله عليه وآله أعلمه أن الأمة ستغدر به بعده، وتحول بينه وبين حقه، وأمره بالصبر والاحتساب والكف والموادعة، لما علمه عليه السلام من المصلحة الدينية في ذلك، ففعل عليه السلام من الكف والامساك ما أمر به. وهذا الوجه لا يمكن ادعاؤه في هارون عليه السلام، فلذلك تكلم وذكر ووعظ.
وثانيهما: أنه عليه السلام أشفق من ارتداد القوم، وإظهار خروجهم عن الإسلام، لفرط الحمية والعصبية. وهذا فساد ديني لا يجوز المتعرض، لما يكون سببا فيه ودائما (١) إليه. وليس ذلك في هارون عليه السلام، لأنه يمكن أن يقال أنه ما علم أن في خطابه للقوم وإنكاره مفسدة دينية.
وثالثهما: أنه عليه السلام خاف على نفسه وأهله وشيعته، وظهرت له أمارات الخوف التي يجب معها الكف عن المجاهدة والمناظرة. ولم ينته هارون في خوفه إن كان خاف إلى هذه الحال.
وما حكي في الكتاب عنه عليه السلام من قوله ﴿إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني﴾ (2) لا يدل على أنه انتهى في الخوف إلى تلك المنزلة فللخوف مراتب متفاوتة.