الجواب:
إعلم أنا لم نحل المسخ، وإنما أحلنا أن يصير الحي الذي كان إنسانا نفس الحي الذي كان قردا أو خنزيرا. والمسخ أن يغير صورة الحي الذي كان انسانا يصير بهيمة، لا أنه يتغير صورته إلى صورة البهيمة.
والأصل في المسخ قوله تعالى: (كونوا قردة خاسئين) وقوله تعالى (وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت).
وقد تأول قوم من المفسرين آيات القرآن التي في ظاهرها المسخ، على أن المراد بها أنا حكمنا بنجاستهم، وخسة منزلتهم، وايضاع أقدارهم، لما كفروا وخالفوا، فجروا بذلك مجرى القرود التي [لها] هذه الأحكام، كما يقول أحدنا لغيره: ناظرت فلانا وأقمت عليه الحجة حتى مسخته كلبا على هذا المعنى.
وقال آخرون: بل أراد بالمسخ أن الله تعالى غير صورهم وجعلهم على صور القرود على سبيل العقوبة لهم والتنفير عنهم.
وذلك جائز مقدور لا مانع له، وهو أشبه بالظاهر وأمر عليه. والتأويل الأول ترك للظاهر، وإنما تترك الظواهر لضرورة وليست هاهنا.
فإن قيل: فكيف يكون ما ذكرتم عقوبة؟
قلنا: هذه الخلقة إذا ابتدأت لم تكن عقوبة، وإذا غير الحي المخلوق على الخلقة التامة الجميلة إليها. كان ذلك عقوبة. لأن تغير الحال إلى ما ذكرناه يقتضي الغم والحسرة.
فإن قيل: فيجب أن يكون مع تغير الصورة ناسا قردة، وذلك متناف.
قلنا: متى تغيرت صورة الإنسان إلى صورة القرد، لم يكن في تلك الحال انسانا، بل كان انسانا مع البنية الأولى، واستحق الوصف بأنه قرد لما صار على