كان - رحمه الله - قمة شامخة من قمم الفقه الجعفري وفي طليعة الذين كانت لهم مساعي كبيرة في تطوير الفقه وإخضاعه للقواعد الأصولية في طريق الاستنباط، في حين كان قبله في إطار حديثي غير مركوز على أسس الاستدلال والتعمق الأصولي.
كان المرتضى يذهب إلى عدم صحة العمل بأخبار الآحاد، وكتب في ذلك رسالة يقيم على ما يذهب إليه الأدلة ويدفع ما يستدل به خصومه. وبالإضافة إلى ما كتبه في كتابه (الذريعة) وبعض جواباته من التنديد بالعاملين بأخبار الآحاد.
وعلى ضوء هذا الرأي كان كثير العمل بالقواعد الأصولية التي لا بد لمثله من الأخذ بها في مجابهة المسائل الفقهية وكان قبله موضوع أخذ القواعد الأصولية بعين الاعتبار في الفقه مما لم تأنس أذهان الفقهاء به حينذاك، فكانوا يرون في هذا خروجا على عرفهم العام وطريقتهم في عملية الاستنباط، إلا أن هذه الطريقة أصبحت مأنوسة لهم فيما بعد المرتضى وخاصة في زمن الشيخ محمد بن الحسن الطوسي المتوفى بالنجف الأشرف سنة 460 ه، إذ كان للطوسي قوة عظيمة في تطوير الفقه تطويرا كاملا وتركيزه على القواعد الأصولية، ولعل (كتاب المبسوط كان محاولة ناجحة وعظيمة في مقاييس التطور العلمي لنقل البحث الفقهي من نطاقه الضيق المحدود في أصول المسائل إلى نطاق واسع يمارس الفقيه فيه التفريع والتفصيل والمقارنة بين الأحكام وتطبيق القواعد العامة ويتتبع أحكام مختلف الحوادث والفروض على ضوء المعطيات المباشرة للنصوص) (1).
وعلى كل حال فقد كان المرتضى (أعرف الناس بالكتاب والسنة ووجوه التأويل في الآيات والروايات، لما سد باب العمل بأخبار الآحاد اضطر إلى