قال: فهو مع عبد الله في هذا ونحوه إذ أقبل سواد كثير من قبل جبال طيئ، فقال أمير المزمنين (عليه السلام): انظروا ما هذا؟ وذهبت الخيل تركض، فلم تلبث أن رجعت فقيل له: هذه طيئ قد جاءتك تسوق الغنم والإبل والخيل، فمنهم من جاءك بهداياه وكرامته، ومنهم من يريد النفور معك إلى عدوك.
فقال أمير المؤمنين: جزى الله طيا خيرا " وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما " (1).
فلما انتهوا إليه سلموا عليه، قال عبد الله بن خليفة: فسرني والله ما رأيت من جماعتهم وحسن هيئتهم، وتكلموا فأقروا والله عيني، ما رأيت خطيبا أبلغ من خطيبهم، وقام عدي بن حاتم الطائي، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإني كنث أسلمت على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأديت الزكاة على عهده، وقاتلت أهل الردة من بعده، أردت بذلك ما عند الله، وعلى الله ثواب من أحسن واتقى، وقد بلغنا أن رجالا من أهل مكة نكثوا بيعتك، وخالفوا عليك ظالمين، فأتينا لنصرك بالحق، فنحن بين يديك، فمرنا بما أحببت ثم أنشأ يقول:
بحق نصرنا الله من قبل ذاكم * وأنت بحق جئتنا فستنصر سنكفيك دون الناس طرا بنصرنا * وأنت به من سائر الناس أجدر فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): جزاكم الله من حي عن الاسلام وعن أهله خيرا، فقد أسلمتم طائعين، وقتلتم المرتدين، ونويتم نصر المسلمين.
وقام سعيد بن عبيد البحتري من بني بحتر، فقال: يا أمير المؤمنين، إن من الناس من يقدر أن يبين بلسانه عما في قلبه، ومنهم من لا يقدر أن يبين ما يجد في نفسه بلسانه، فان تكلف ذلك شق عليه، وإن سكت عما في قلبه برح به الهم والبرم،