حادي، وناداكم للموت منادي، فلا تغرنكم الحياة الدنيا، ولا يغرنكم بالله الغرور.
ألا وإن الدنيا دار غرارة خداعة، تنكح في كل يوم بعلا، وتقتل في كل ليلة أهلا، وتفرق في كل ساعة شملا، فكم من منافس فيها، وراكن إليها من الأمم السالفة، قد قذفتهم في الهاوية، ودمرتهم تدميرا، وتبرتهم تتبيرا، وأصلتهم سعيرا.
أين من جمع فأوعى، وشد فأوكى، ومنع فأكدى؟ بلى أين من عسكر العساكر، ودسكر الدساكر (١)، وركب المنابر، أين من بنى الدور، وشرف القصور، وجمهر الألوف؟ قد تداولتهم أيامها، ابتعلتهم أعوامها، فصاروا أمواتا، وفي القبور رفاتا، قد نسوا ما خلفوا، ووقفوا على ما أسلفوا، ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق، ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين.
وكأني بها وقد أشرقت بطلائعها، وعسكرت بفظائعها، فأصبح المرء بعد صحته مريضا، وبعد سلامته نقيضا، يعالج كربا، ويقاسي تعبا، في حشرجة السباق، وتتابع الفواق، وتردد الأنين، والذهول على البنات والبنين، والمرء قد اشتمل عليه شغل شاغل، وهول هائل، قد اعتقل منه اللسان، وتردد منه البنان، فأصاب مكروها، وفارق الدنيا مسلوبا، لا يملكون له نفعا، ولا لما حل به دفعا، يقول الله (عز وجل) في كتابه:
﴿فلولا إن كنتم غير مدينين * ترجعونها إن كنتم صادقين﴾ (2).
ثم من دون ذلك أهوال القيامة، ويوم الحسرة والندامة، يوم تنصب الموازين، وتنشر الدواوين، بإحصاء كل صغيرة، وإعلان كل كبيرة، يقول الله في كتابه:
(ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا) (3).
ثم قال: أيها الناس، الآن الآن من قبل الندم، ومن قبل (أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين * أو تقول لو أن الله