مطرقا لا بحير جوابا حياء من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو يعلم ما كان من أمر الدينار، ومن أين أخذه، وأين وجهه، وقد كان أوحى الله (تعالى) إلى نبيه محمد (صلى الله عليه وآله) أن يتعشى الليلة عند علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فلما نظر رسول الله إلى سكوته فقال: يا أبا الحسن، مالك لا تقول: لا، فانصرف، أو تقول: نعم، فأمضي معك؟ فقال حياء وتكرما: فاذهب بنا.
فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله): يد علي بن أبي طالب (عليه السلام) فانطلقا حتى دخلا على فاطمة الزهراء (عليها السلام) وهي في مصلاها، قد قضت صلاتها، وخلفها جفنة تفور دخانا، فلما سمعت كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله) في رحلها خرجت من مصلاها، فسلمت عليه، وكانت أعز الناس عليه، فرد عليها السلام، ومسح بيده على رأسها، وقال لها: يا بنتاه، كيف أمسيت رحمك الله. قالت: بخير، قال: غفر الله لك وقد فعل، فأخذت الجفنة، فوضعتها بين يدي النبي (صلى الله عليه وآله)، فلما نظر علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى الطعام وشم رائحته، رمى فاطمة (عليها السلام) ببصره رميا شحيحا، فقالت له فاطمة (عليها السلام): سبحان الله، ما أشح نظرك وأشده! هل أذنبت فيما بيني وبينك ذنبا استوجبت به السخطة؟ قال: وأي ذنب أعظم من ذنب أصبته؟ أليس عهدي بك اليوم الماضي، وأنت تحلفين بالله مجتهدة، ما طعمت طعاما مذ يومين؟
قال: فنظرت إلى السماء فقالت: إلهي يعلم في سمائه ويعلم في أرضه أني لم أقل إلا حقا. فقال لها: يا فاطمة، أنى لك هذا الطعام الذي لم أنظر إلى مثل لونه قط، ولم أشم مثل ريحه قط، وما أكلت أطيب منه قط؟
قال: فوضع رسول الله (صلى الله عليه وآله): كفه الطيبة المباركة بين كتفي علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فغمزها، ثم قال: يا علي، هذا بدل دينارك، وهذا جزاء دينارك من عند الله (إن الله يرزق من يشاء بغير حساب " (1) ثم استعبر النبي (صلى الله عليه وآله) باكيا، ثم قال: الحمد لله الذي أبى لكم أن تخرجا من الدنيا حتى يجزيكما، ويجزيك يا علي