ولما رأى الملك ذلك ارتاع له وظنه سحرا، فقال: ردوا الفيل إلى مكانه.
ثم قال لعبد المطلب: فيم جئت؟ فقد بلغني سخاؤك وكرمك وفضلك، ورأيت من هيبتك وجمالك وجلالك ما يقتضي أن أنظر في حاجتك فسلني ما شئت، وهو يرى أنه يسأله في الرجوع عن مكة، فقال له عبد المطلب: إن أصحابك غدوا على سرح لي فذهبوا به فمرهم برده علي.
قال: فتغيظ الحبشي من ذلك وقال لعبد المطلب: لقد سقطت من عيني، جئتني تسألني في سرحك وأنا قد جئت لهدم شرفك وشرف قومك، ومكرمتكم التي تتميزون بها من كل جيل، وهو البيت الذي يحج إليه من كل صقع في الأرض، فتركت مسألتي في ذلك وسألتني في سرحك!
فقال له عبد المطلب: لست برب البيت الذي قصدت لهدمه، وأنا رب سرحي الذي أخذه أصحابك، فجئت أسألك فيما أنا ربه، وللبيت رب هو أمنع له من الخلق كلهم، وأولى به منهم.
فقال الملك: ردوا إليه سرحه، وانصرف إلى مكة، وأتبعه الملك بالفيل الأعظم مع الجيش لهدم البيت، فكانوا إذا حملوه على دخول الحرم أناخ، وإذا تركوه رجع مهرولا. فقال عبد المطلب لغلمانه: ادعوا لي ابني، فجئ بالعباس، فقال: ليس هذا أريد، ادعوا لي ابني، فجئ بأبي طالب، فقال: ليس هذا أريد، ادعوا لي ابني، فجئ بعبد الله أبي النبي (صلى الله عليه وآله)، فلما أقبل إليه قال: اذهب يا بني حتى تصعد أبا قبيس (1)، ثم اضرب ببصرك ناحية البحر، فانظر أي شئ يجئ من هناك وخبرني به.
قال: فصعد عبد الله أبا قبيس، فما لبث أن جاء طير أبابيل (2) مثل السيل والليل، فسقط على أبي قبيس، ثم صار إلى البيت فطاف به سبعا، ثم صار إلى الصفا والمروة فطاف بهما سبعا، فجاء عبد الله إلى أبيه فأخبره الخبر، فقال: انظر يا بني ما يكون من