تعلق بعنوان التعاون لا المعاونة والإعانة، والتعاون لابد وأن تكون المعاونة من الطرفين، ففيما إذا كان صدور فعل بإعانة كل واحد منهما للاخر - أي كانا شريكين في ايجاد ذلك الفعل - يصدق التعاون، وإلا لو كانت الإعانة من طرف واحد بحيث يكون أحدهما عونا للفاعل المباشر بواسطة إيجاد بعض مقدمات فعله، فهذه إعانة لا تعاون، لأن هيئة باب التفاعل موضوعة لاشتراك الشخصين في جهة صدور الفعل عنهما.
فالتعاون عبارة عن كون كل واحد منهما عونا للاخر، والإعانة عبارة عن كون شخص عونا لشخص آخر في فعله. وما هو مفاد القاعدة ومضمونها هو الثاني، ومفاد الآية هو الأول.
ولكن أنت خبير بأن أمره تبارك وتعالى بالتعاون على البر والتقوى، وكذلك نهيه عن التعاون على الإثم والعدوان ليس باعتبار فعل واحد وقضية واحدة وفي واقعة واحدة، بل الخطاب إلى عموم المؤمنين والمسلمين بأن يكون كل واحد منهم عونا للاخر في البر والتقوى، ولا يكون عونا لأحد في الإثم والعدوان.
وبعبارة أخرى: إطلاق لفظ (التعاون) باعتبار مجموع القضايا، لا باعتبار قضية واحدة وفعل واحد، فلو كان مثلا زيد عونا لعمرو في الفعل الفلاني وكان عمرو عونا لزيد في فعل آخر يصدق أنهما تعاونا، أي أعان كل واحد منهما الآخر. ولو كان إعانة كل واحد منهما لصاحبه في فعل يصدر من نفس ذلك الصاحب، فيكون المأمور به في الآية الشريفة إعانة كل مسلم لكل مسلم في ما يصدر منه من فعل الخير والبر والتقوى، بمعنى مساعدته في ذلك الفعل ولو كان بايجاد بعض مقدماته القريبة أو البعيدة. والمنهي عنه إعانة كل شخص في فعله الذي هو إثم، أي معصية للخالق أو عدوان وظلم على الغير، وهذا عين مفاد القاعدة.
فالانصاف أنه لا قصور في دلالة الآية المباركة على هذه القاعدة