وأما ثبوت موضوعها أو عدم ثبوته فليس من شؤون تلك القاعدة، فكل قاعدة متكفلة لعقد حملها لا لعقد وضعها، وحيث أن موضوع هذه القاعدة في أبواب المعاملات تلك العناوين المذكورة في أبواب العقود والإيقاعات، فلا بد من إحرازها لإجراء هذه القاعدة مع احتمال عدم صحتها لاحتمال وقوع خلل فيها من فقد شرط أو وجود مانع. وأما مع عدم إحراز ذلك العنوان - بما هو مشكوك الصحة والفساد - فلا محل لجريان هذه القاعدة: لامتناع تحقق الحكم بدون تحقق الموضوع.
فتلخص من مجموع ما ذكرنا: أن ما شك في صحته وفساده تارة هو السبب، أي العقد. وأخرى: هو المسبب، أي المعاملة الكذائية كالبيع مثلا فإن كان هو العقد واحتمل عدم صحته، أي عدم تماميته من حيث الأجزاء والشرائط وإعدام الموانع، بحيث يشك في ترتب الأثر المقصود منه عليه ولو انضم إليه سائر الشرائط المعتبرة في المتعاقدين، فلا شك في جريان أصالة الصحة في نفس العقد إذا لم يكن الشرط المحتمل الفقدان، أو المانع المحتمل الوجود مما له دخل في تحقق عنوان العقد عرفا. لما ذكرنا من لزوم تحقق ما هو موضوع أصالة الصحة.
فبعد إحراز ما هو موضوع أصالة الصحة يثبت به الشرط المحتمل الفقدان، وأيضا يثبت به عدم المانع المحتمل الوجود، فيترتب على ذلك العقد الأثر المقصود، أي المعاملة الفلانية إذا انضم إليه سائر ما اعتبر في المعاملة، من شرائط المتعاقدين كبلوغهما ورضائهما بمعنى عدم كونهما مكرهين أو أحدهما مكرها وأمثال ذلك، ومن شرائط العوضين ككونهما قابلين للنقل والانتقال، كأن لا يكون أحدهما حرا مثلا، وأن يكونا مملوكين بأن لا يكونا من قبيل الخمر والخنزير، وذلك من جهة أن صحة العقد ليس معناها ترتب أثر المعاملة الصحيحة عليه بمجردة، بل معنى صحته أن يترتب الأثر المطلوب من المعاملة عليه لو انضم إليه سائر ما اعتبر في المعاملة من شرائط المتعاقدين والعوضين.