وذلك من جهة أن نفي أحد الحكمين مستلزم لثبوت الآخر، فنفي جواز حفر البئر مستلزم لحرمة الحفر، كما أن نفي حرمته مستلزم لجوازه. وكما أن في مثال القدر والدابة التي أدخلت رأسها فيها لو علمنا بوجوب أحد الأمرين، أي كسر القدر أو ذبح الدابة، فيقع التعارض بين نفي جواز الكسر بلا ضرر ونفي جواز الذبح به، لعدم إمكان الجمع بينهما في عالم التشريع مع العلم بوجود أحدهما.
ولا ينافي ثبوت التعارض بينهما مع كونهما - أي النفيين - مدلول دليل واحد، كما أنه لا تنافي بين تعارض الاستصحابين مع أنهما مفاد دليل واحد، أي قوله عليه السلام (لا تنقض اليقين بالشك).
والسر في ذلك: هو انحلال قضية (لا ضرر) وقضية (لا تنقض) وأمثالها مما كانت القضية بنحو الطبيعة السارية، أو العام الاستغراقي إلى قضايا متعددة بعدد مصاديق ذلك العام الذي جعل موضوعا للحكم.
وعلى كل حال إذا تحقق التعارض بالمعنى المذكور فيتساقطان، لعدم وجود مرجح من مرجحات باب التعارض لوحدة الدليل وعدم جواز الترجيح بلا مرجح وأما مرجحات باب التزاحم فأجنبي عن هذا المقام.
ومما ذكرنا ظهر لك أن كثير من المباحث التي ذكروه في المقام خارج عن محل البحث، مثلا قالوا: إذا دار الأمر بين ضررين لابد من وقوع أحدهما، فإما أن يكون الضرران على شخص واحد أو على شخصين، وإذا كانا على شخص واحد فإما يكونان مباحين أو محرمين أو مختلفين. فإذا كانا مباحين فله الخيار في ارتكاب أيهما أراد، وإن كانا مختلفين يتعين عليه ارتكاب ما ليس بحرام، وإن كانا محرمين، عليه أن يختار للارتكاب ما هو أضعف ملاكا ويترك ما هو أقوى بحسب الملاك، عملا بقواعد باب التزاحم ومرجحاته.
وأنت تدري أن كل ذلك خارج عن محل البحث، أعني وقوع التعارض بين