لا ضرر، لا من جهة المعارضة فقط لو كان هناك معارضة، بل من جهة أن جريانها خلاف الامتنان فلا يجرى لا ضرر في الطرفين. ونتيجة ذلك بقاء سلطنة كل واحد منهما على ماله، ومنع الآخر عن التصرف فيه بكسر أو ذبح أو غير ذلك من التصرفات التي للمالك حق المنع عنها.
ويمكن أن يقال: إنه ليس لكل واحد من المالكين منع الآخر عن تخليص ماله ولو كان التخليص مستلزما لتلف ماله، غاية الأمر يجبر التلف أو النقص كما إذا حفر الأرض لتخليص غرسه فيما إذا كان بحق، فيجبر نقص الحاصل من الحفر بلزوم طم الحفر من طرف الحافر القالع لغرسه: وذلك من جهة عدم سلطنته على ماله ومنعه الغير عن مثل هذا التصرف الذي مقدمة لتخليص ماله.
والحاصل أن المثال المذكور، أي إدخال الدابة رأسها في قدر الغير بغير تفريط من أحد المالكين، ليس من تعارض لا ضرر في الطرفين، إذ الضابط فيه كما بينا أن يكون نفي أحد الحكمين الضرريين مستلزما لثبوت الحكم الضرري الآخر، لا أن يكون مستلزما لثبوت الضرر على الآخر، وما نحن فيه من الأمثلة من قبيل الثاني لا الأول.
وخلاصة الكلام في المقام: أن تعارض مفاد لا ضررين - أي تعارض نفي الحكمين الضرريين - هو عبارة عن عدم إمكان رفعهما في عالم التشريع، إما بأن يكون رفع أحدهما مستلزما لثبوت الآخر، فمعنى رفعهما إثباتهما أيضا لما ذكرنا من الملازمة، وهذا اجتماع النقيضين في كل واحد من الحكمين. وإما بالعلم بوجود أحد الحكمين وعدم رفعه لجهة من الجهات، كما لو أن جواز حفر البئر في داره إذا كان ضررا على جاره لو رفع بلا ضرر بواسطة كون هذا الحكم ضرريا على جاره، وحرمة حفر البئر أيضا لو رفع بواسطة كونه ضرريا على نفسه، فيقع التعارض بين لا ضررين باعتبار مؤداهما، أعني نفي جواز حفر البئر ونفي حرمة حفره.