لو كان له عذر من علة أو زمانة جاز له القعود فلو قدر في أثنائه على القيام وجب ولو قعد لغير عذر قال الشيخ بطلت صلاته وصلاة من خلفه إن علموا ويصح صلاة من لم يعلم آخر لا ينبغي أن يفعل بين الأذان والخطبة بجلوس وغيره بل ينبغي التعقيب لان النبي صلى الله عليه وآله كذا فعل. * مسألة: ويستحب له أن يستقبل الناس في حال خطبته ولا يلتفت يمينا ولا شمالا وبه قال الشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة: يلتفت يمينا وشمالا. لنا: أن النبي صلى الله عليه وآله كان يفعل كذلك روى البراء بن عازب قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقبل علينا بوجهه ونقبل عليه لوجوهنا ومن طريق الخاصة ما رواه ابن يعقوب في كتابه عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كل واعظ قبلة يعني إذا خطب الامام الناس يوم الجمعة ينبغي للناس أن يستقبلوه بوجوههم وما رواه ابن بابويه في كتابه أن النبي صلى الله عليه وآله قال: كل واعظ قبلة وكل موعظ قبلة للواعظ يعني في الجمعة والعيدين وصلاة الاستسقاء ولأنه أبلغ من سماع الناس فاعدل بينهم فإنه لو التفت إلى أحد الجانبين لا عرض عن الآخر أحتج أبو حنيفة بالقياس على الأذان والجواب: منع الحكم في الأصل. فروع: [الأول] لو خطب مستقبل القبلة واستدبر الناس صحت الخطبة لحصول المقصود وهو السماع.
[الثاني] يستحب أن يستقبل الناس الخطيب ليكون أبلغ في السماع وهو قول عامة أهل العلم إلا الحسن البصري فإنه استقبل القبلة ولم ينحرف إلى الامام و عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يستقبل هشام بن إسماعيل إذا خطب فوكل به هشام شرطيا يعطفه إليه. لنا: ما رواه الجمهور عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده قال كان النبي صلى الله عليه وآله إذا قام على المنبر استقبله أصحابه بوجوههم. [الثالث] إنما يستحب هذا للقريب بحيث يحصل له السماع أو شدته أما البعيد الذي لا يبلغه الصوت فالأقرب عندي أنه ينبغي له استقبال القبلة. * مسألة: لا يكفي الخطبة الواحدة بل لا بد من الخطبتين فلو أخل بواحدة منهما فلا جمعة له، ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال الشافعي وقال مالك والأوزاعي وإسحاق وأبو ثور وأبو المنذر وأصحاب الرأي وأحمد أنه يجزيه خطبة واحدة. لنا: ما رواه الجمهور في حديث ابن عمر وجابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وآله كان يخطب خطبتين وقال: " صلوا كما رأيتموني أصلي " ومن طريق الخاصة ما رواه معاوية بن وهب الصحيحة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الخطبة وهو قائم خطبتان يجلس بينهما الحديث وفي رواية الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام وإنما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين وفي رواية محمد بن مسلم فيصعد المنبر فيخطب ثم يقعد فيقوم فيفتتح بخطبته ثم ينزل ويمثل (مثله) في رواية سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام ولأنهما عوض الركعتين كل خطبة مقام ركعة والاخلال بأحدهما كالاخلال بإحدى الركعتين احتج المخالف بقوله تعالى: (فاسعوا إلى ذكر الله) وليس فيه دلالة على وجوب ما دل على الخطبة والجواب أنه مجمل وبينه النبي صلى الله عليه وآله وكان ما فعله واجبا.
* مسألة ويشترط في كل خطبة حمد الله والثناء عليه والصلاة على النبي وآله صلى الله عليهم وقراءة شئ من القرآن والوعظ فهذه الأربعة لا بد منها فلو أخل بأحدها لم يجزيه وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة يجزي من الخطبة كلمة واحدة الحمد لله أو الله أكبر أو سبحان الله أو لا إله إلا الله وما شابه ذلك وقال أبو يوسف ومحمد لا يجزيه حتى يأتي بكلام يسمى خطبة في العادة وعن مالك روايتان أحديهما أن من هلل أو سبح أعاد ما لم يصل والثانية أنه لا يجزي إلا ما يسميه العرب خطبة أما حمد الله فلقوله عليه السلام كل امر ذي بال لم يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله فلما روي في تفسير قوله (ألم نشرح لك صدرك * ورفعنا لك ذكرك) قال لا أذكر إلا ذكرت معين ولأنه وجب ذكر الله والثناء عليه فوجب الصلاة على النبي وآله صلى الله عليهم كالأذان والتشهد وأما الصلاة على آله فلما رواه ابن يعقوب عن عبد الله بن عبد الله الدهقان عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال كلما ذكر اسم ربه صل على محمد وآله وأما القراءة فلما رواه الشعبي قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا صعد المنبر يوم الجمعة واستقبل الناس فقال السلام عليكم ويحمد الله ويثني عليه ويقرأ سورة ثم يجلس ثم يقوم فيخطب ثم ينزل وفي رواية جابر كان لرسول الله صلى الله عليه وآله خطبتان يجلس بينهما ويقرأ القرآن ويذكر الناس وفي رواية صفوان بن معلى عن أبيه سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقرأ على المنبر ونادوا يا مالك وفي رواية هشام تلقيت سورة ق من في رسول الله صلى الله عليه وآله إذا خطب يوم الجمعة على المنبر وأما الوعظ فلما روى النبي قال في خطبته ألا أن الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر ألا وأن الآخرة وعد صادق يحكم فيه ملك قادر ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة قال قال أبو عبد الله عليه السلام: ينبغي بالامام الذي يخطب بالناس يوم الجمعة يلبس عمامة في الشتاء والصيف وتبرد برد يمينه أو عدني ويخطب وهو قائم يحمد الله ويثني عليه ثم يوصي بتقوى الله ثم يقرأ سورة من القرآن قصيرة ثم يجلس ثم يقوم فيحمد الله ويثني عليه ويصلي على محمد وآل محمد وعلى أئمة المسلمين ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات فإذا فرغ من هذا قام المؤذن يصلي بالناس ركعتين يقرأ في الأولى سورة الجمعة وفي الثاني سورة المنافقين احتج أبو يوسف بأن الامر مطلق بالسعي إلى ذكر المطلق ولما روي أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وقال علمني عملا أدخل به الجنة فقال لئن أقصرت في الخطبة لقد أعرضت في المسألة والجواب عن الأول: ما تقدم، وأما الثاني: فلا شك بأنه مجاز وأن السؤال لا يسمى خطبة. فروع: [الأول] اختلف عبارة الأصحاب في كيفية الخطبتين فالذي ذكرناه عبارة الشيخ في الخلاف والمبسوط إلا أنه قال فيه وقراءة سورة خفيفة من القرآن فقال في النهاية ويخطب الخطبتين ويفصل بينهما بخطبة ويقرأ سورة خفيفة ويحمد الله في خطبة ويصلي على النبي صلى الله عليه وآله ويدعو أئمة المسلمين ويدعو أيضا للمؤمنين والمؤمنات ويعظ ويزجر وينذر ويخوف وقال السيد المرتضى في المصباح يحمد الله في الأولى ويمجده ويثني عليه ويشهد بمحمد صلى الله عليه وآله بالرسالة ويوشحها بالقرآن