احتج أبو يوسف بأن المقتضي للاجزاء هناك زوال ملكه عن المالك على وجه القربة وهيهنا لم يزل عن جميعه. * مسألة: قد بينا وجوب تعيين الفرض أو النفل فإذا كان له مال عليه فأخرج زكاته وقال إن كان مالي سالما فهذه زكاته أو تطوع لم يجزه لأنه شرك بين الفرض والنفل فلا يخلص لأحدهما بعينه وقال الشيخ أنه يجزيه أما لو قال إن كان مالي الغائب سالما فهذه زكاته وإن كان تالفا فهي تطوع أجزأ عنه إذا كان سالما لأنه لم يشترك بين الفرض والنفل وإنما ذهب على الفرض ولأنه لو نواها عن ماله أجزأ ويكون حكمه ذلك لأنه مع التلف يكون تطوعا فالتصريح غير متلف للامر نفسه. فروع: [الأول] لو أخرج مالا ونوى بجميعه الزكاة والتطوع لم يجزه وبه قال الشافعي ومحمد وقال أبو يوسف يجزيه عن الزكاة.
لنا: أنه يشترك بين الفرض والنفل في النية فلا يتخلص النفل الفرض فلا يكون مجزيا احتج بأن النفل لا يفتقر إلى تعيين النية فصار كأنه نوى الزكاة والصدقة والجواب عدم الافتقار لا ينافي التعيين والتقدير وقوعه. [الثاني] لو كان له مال حاضر أو غائب فأخرج الزكاة وقال هذه عن أحدهما أجزأه ذلك لأنا قد بينا أنه لا يشترط تعيين الجنس المخرج عنه ولهذا لو أخرج خمسة دراهم عن أربع مئة دراهم أجزأه عن المأتين وإن لم يكن متعينا. [الثالث] لو قال هذه زكاة مالي الغائب إن كان سالما وإن لم يكن سالما فعن مالي الحاضر أجزأه ذلك لما تقدم. [الرابع] لو أخرج عن ماله الغائب فبان تالفا قال الشيخ لم يجز له صرفه إلى غيره وبه قال الشافعي والأقرب عندي الجواز. لنا: أنه باق على ملكه إذ الاخراج وقع على وجه بان بطلانه فيجوز صرفه إلى غير ذلك المال احتج الشيخ بأن وقت النية قد فات واحتج الشافعي بأنه عينه لذلك المال فصار كما لو كان عليه كفارة فأعتق عبدا عن كفارة أخرى عينها فلم يقع عنه كما لو كان عليه كفارة ظهار فخرج رجلا وقدم العتق على كفارة القتل فسرى المخرج فإنه لا يجوز له صرفها إلى الظهار وإن كان في الابتداء لا يلزمه تعيين الكفارة بسببها فكذلك الزكاة والجواب عن الأول: بالمنع من فوات الوقت والثاني المنع من الحكم في الأصل. [الخامس] لو كان له مورث غائب فأخرج زكاة وقال إن كان قد مات مورثي فهذه زكاته لم يجز عنه عند الشافعي لأنه أخرجها عن غير أصل بيت عليه ما عندنا فالمال الغائب لا يجب فهي الزكاة إلا مع التمكن من التصرف فها هنا لا يجب عليه الزكاة ما لو يعلم بموت المورث ويتمكن من التصرف في ماله. [السادس] لو دفع الزكاة إلى الوالي تطوعا رفعها وقال هذه عن مالي الغائب فبان تلفه قبل الوجوب رجع بها عليه إن كانت في يده وإن كان قد فرقها لم يضمنها الساعي لأنه بإعطائه إياها تطوعا جرى مجرى الوكيل له ويرجع هو على الفقراء.
[المقصد الرابع] في مستحق الزكاة ولواحقه وفيه مباحث {الأول} مستحق الزكاة ثمانية أصناف بالنص والاجماع قال الله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل) وروي أن رجلا قال يا رسول الله اعط من هذه الصدقات فقال إن الله تعالى لم يرض في قسمتها نبي مرسل ولا ملك مقرب حتى قسمها بنفسه فجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك وسأل سماعة أبا عبد الله عليه السلام عن المستحقين فقال هي تحل للذين وصف الله تعالى في كتابه وعدهم إلى آخرهم ولا خلاف بين المسلمين في ذلك. الصنف الأول والثاني: الفقراء والمساكين والتثنية بينهما مع الانفراد بل العرب قبل استعملت كل واحدة من اللفظين في معنى الآخر أما مع الجمع بينهما فلا بد من المايز كما في الآية وهو اختلف العلماء في أن أيهما أسوء حالا من الآخر قال الشيخ في المبسوط والجمل الفقير الذي لا شئ له والمسكين الذي له بلغة لا يكفيه وبه قال الشافعي والأصمعي وقال الشيخ في النهاية: المسكين أسوء حالا من الفقير وبه قال أبو حنيفة وفرا وثعلب وابن قتيبة وحجة الأولين ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: نعوذ بالله عن الفقراء وقال اللهم أحيني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين ولان العرب يبدأ بالأهم وذكر الفقراء متعديا يدل على شدة حاجتهم وكثرة العناية بهم ولأنه مشتق من كسر الفقار وهو مهلك فإنه فعيل بمعنى مفعول أي مكسور فقار بظهره ولقوله تعالى: (أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر) و سفينة البحر يساوي جملة من المال حجة الآخرين قوله تعالى: (أو مسكينا ذا متربة) وهو الطروح على التراب لشدة حاجته ولأنه يؤكد الفقير به إذا أريد المبالغة في الحاجة فيقال فقير مسكين ويقول الشاعر أنا الفقير الذي كانت حلوبته وفق العيال فلم يترك له سيد ولان أهل اللغة نص على ذلك قال يتقوت رجل فقير له بلغه ومسكين أي لا شئ له وبه قال يونس وأبو زيد وأبو عبيدة وابن دريد وقول هؤلاء حجة قال يونس قلت لاعرابي فقيرا أنت فقال لا والله بل مسكين وقد روى هذا القول عن أهل البيت عليهم السلام روى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الفقير الذي لا يسأل الناس والمسكين أجهد منه والبائس أجهدهم ولا فائدة في تحقيق الحق من هذين القولين في هذا الباب لان كل واحد منهما له استحقاق ويدع الزكاة إلى كل واحد منهما بل الأصل في هذا عدم الغناء الشامل للمعنيين إذا تحقق استحق الزكاة بلا خلاف. * مسألة: اختلف العلماء في الغناء المانع من الاستحقاق فقال الشيخ في الخلاف الغنى من ملك نصابا يجب فيه الزكاة أو قيمته وجعله في المبسوط قولا لبعض أصحابنا وبه قال أبو حنيفة وقال الشيخ في المبسوط الغني الذي يحرم معه أخذ الصدقة أن يكون قادرا على كفايته وكفاية من يلزم كفايته على الدوام وبه قال الشافعي ومالك وأحمد في إحدى الروايتين وفي الأخرى من ملك خمسين درهما أو قيمتها فهو غني وبه قال الثوري والنخعي وإسحاق وأبو عبيدة الغني من يملك أربعين درهما والذي ذكره الشيخ في المبسوط عندي هو الوجه. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لعنقة بن المحارب لا يحل الصدقة إلا لاخذ ثلاثة رجل أصابته