مكة كلها مسجد فلو كرهت الصلاة في بعض مساجدها لزم التعميم فيها أجمع وهو خلاف الاجماع. [الثاني] لا فرق بين المساجد كلها في ذلك إلا مكة وقال أبو حنيفة لا يكره في مسجد اتخذ لذلك. لنا: أن الصلاة على الجنازة في المسجد مكروهة فاتخاذ مسجد لذلك مكروه. [الثالث] ما ذكرناه من الأخبار الدالة على النهي المراد بها نهي الكراهية إجماعا ولما رواه الشيخ عن الفضل بن عبد الملك قال سألت أبا عبد الله عليه السلام هل يصلى على الميت في المسجد؟ قال: نعم وعن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام مثل ذلك. [الرابع] هل يكره الصلاة في المقبرة عندي فيه تردد ينشأ من صلاة النبي صلى الله عليه وآله على قبر سكينة وهو في المقبرة ومن النهي عن الصلاة في المقابر والأقرب في ذلك الكراهة لان النبي صلى الله عليه وآله كان يصلي في المصلى ولم يكن مقبرة والمداومة تدل على الرجحان.
{البحث الخامس} في الدفن، وهو فرض على الكفاية إذا قام به البعض سقط عن البعض وإن لم يقم به أحد لحق جميع من علم به الاثم والذم بلا خلاف بين العلماء في ذلك وفيه فضل كثير روى الشيخ عن سعد بن طريف عن أبي جعفر عليه السلام قال من حفر لميت قبرا كان بواه بيتا موافقا إلى يوم القيمة والحق والجواب مواراته في الأرض مع المكنة بلا خلاف وأن يضجعه على جانبه الأيمن مستقبل القبلة روى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا نام أحدكم فليتوسد يمينه ومن طريق الخاصة ما رواه العلا بن (سبابة) عن أبي عبد الله عليه السلام وأدخلته اللحد ووجهته القبلة ولقوله عليه السلام خير المجالس ما استقبل فيه القبلة وهو في حال يطلب له فيه الخير ولأنه أولى من حال التغسيل والاحتضار وقد بينا وجوب الاستقبال هناك والاستقبال به هنا أن يوضع كما توضع وقت الصلاة عليه. * مسألة:
يستحب أن يوضع دون القبر ثم نزل إلى القبر في ثلاث دفعات بأن ينقل قليلا ثم يوضع ثم ينقل ثم يوضع ثم ينقل ويجعل في القبر روى الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ينبغي أن يوضع الميت دون القبر ثلاثة ثم (واره) وعن محمد بن عجلان قال سمعت صادقا يصدق على الله يعني أبا عبد الله عليه السلام قال: إذا جئت بالميت إلى قبره فلا (تفدحه) بقبره ولكن ضعه دون قبره بذراعين أو ثلاثة أذرع ودعه حتى يتأهب للقبر ولا تفدحه به. * مسألة: ويستحب أن يوضع رأس الميت عند رجلي القبر ثم (يسل سلا) إن كان الميت رجلا وإن كان امرأة وضعت قدام القبر مما يلي القبلة قال علماؤنا وبه قال ابن عمر والنخعي والشعبي والشافعي وأهل الظاهر قال أصحاب الرأي يوضع الجنازة على جانب القبر مما يلي القبلة مطلقا. لنا: ما رواه الجمهور عن عبد الله بن سريد الأنصاري أن الحارث أوصى أن يليه عند موته فأدخله القبر من قبل رجلي وقال هذه السنة وقال ابن عمر وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله سل من قبل رأسه سلا ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا أتيت بالميت المقبرة فسله من قبل رجليه وعن محمد بن مسلم قال سألته أحدهما عليهما السلام فقال سل من قبل الرجلين وعن حمير بن نصر الحضرمي قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله أن لكل بيت بابا وأن باب القبر من قبل الرجلين وأما اختصاص هذا الحكم بالرجال فلما رواه الشيخ عن عبد الصمد بن هارون رفع الحديث قال قال أبو عبد الله عليه السلام إذا دخل الميت القبر إن كان رجلا سل سلا والمرأة تؤخذ عرضا وأنه أستر وعن زيد بن علي عن آبائه عليهم السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام قال سل الرجل سلا واستقبل المرأة استقبالا احتج أبو حنيفة بما رواه إبراهيم النخعي قال حدثني من رأى أهل المدينة في الزمن الأول يدخلون موتاهم من قبل القبلة وأن السل شئ أخذته أهل المدينة. والجواب: أن هذا ضعيف لان النخعي يذهب إلى خلاف ما رواه فلا تعول عليه على أن ذلك خبر واحد لا يعارض ما اتفق أهل الحرمين عليه. * مسألة: يستحب أن ينزل إلى القبر الولي أو من يأمره الولي إن كان رجلا وإن كان امرأة لا ينزل إلى قبرها إلا زوجها أو ذو رحم لها وهو وفاق العلماء روى الجمهور عن علي عليه السلام أنه قال أن يلي الرجل أهله ولما توفي النبي صلى الله عليه وآله أتخذه العباس وعلي وأسامة رواه أبو داود ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن محمد بن عجلان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سله سلا رقيقا فإذا وضعته في لحد فليكن أولى الناس به مما يلي رأسها الحديث وعن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام مضت السنة من رسول الله صلى الله عليه وآله أن المرأة لا يدخل قبرها إلا من كان يراها في حياتها ولأنها حالة يطلب (الخط) للميت والرفق به فكان ذو الرحم أولى. فروع:
[الأول] الرجال أولى بدفن الرجال بلا خلاف بين العلماء في ذلك لأنه فعل يحتاج إلى من يكون له بطش وقوة والنساء ليس كذلك. [الثاني] الرجال أولى بدفن النساء أيضا وبه قال الشافعي وعن أحمد روايتان. لنا: ما قدمناه من احتياج البطش والقوة ولان النبي صلى الله عليه وآله لما ماتت ابنته أمر أبا طلحة فنزل في قبرها ولأنه لم يفعل في عهد النبي صلى الله عليه وآله في عهد واحد من أصحابه احتج أحمد بأنهن أولى بالغسل فكذا بالدفن والجواب: الفرق أن الغسل يمكنهن فعله ولا يحتاج إلى القوة والبطش ويفتقر إلى عورة الميتة فمنع الرجال منه بخلاف صورة النزاع ولأن المرأة تحتاج إلى كشف وجهها وساعدها وغير ذلك مع مباشرتها للدفن وهو وإنما يحضر الرجال فمتفق منه. [الثالث] الأقارب هنا يترتبون كما في الصلاة لأنه ولاية فيكون الأقرب أولى وقد بيناه في باب الصلاة والزوج أحق من الأقارب كما تقدم ويؤيده ما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال الزوج أحق بامرأته حتى يضعها في قبره. [الرابع] لو تساوى الأولياء في الأولى إلى الميت قدم الأعلم بالفقه ولأنه يحتاج إلى معرفة مما يفعله في الدفن. [الخامس] لا توقيف في عدد من ينزل القبر وبه قال أحمد وقال الشافعي