الكلام في الأواني والجلود وفيه مباحث، [الأول]، في أصناف النجاسات. * مسألة:
قال علماؤنا: بول الآدمي نجس وهو قول علماء الاسلام روى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله في الذي مر به وهو يعذب في قبره أنه كان لا يستبرء عن بوله فهو متفق عليه ورووا عنه (ع) نزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر من البول ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الثوب يصيب البول؟ قال: اغسله في المركن مرتين فإن غسلته في ماء جار فمرة واحدة وما رواه في الحسن عن الحسين بن أبي العلا قال سألت أبا عبد الله (ع) عن البول يصيب الجسد؟ قال: غسله مرتين فإنما هو ماء وما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال سألته عن البول يصيب الثوب قال: اغسله مرتين وما رواه في الصحيح عن ابن أبي يعفور قال سألت أبا عبد الله (ع) عن البول يصيب الثوب قال: اغسله مرتين ولأنه مستحب فيدخل تحت قوله تعالى: (ويحرم عليهم الخبائث) والتحريم يتناول جميع أنواع التصرف. فروع: [الأول] يجب إزالة قليل البول وكثيره عن الثوب والبدن لأجل الصلاة وبه قال مالك والشافعي وأبو ثور وأحمد وقال أبو حنيفة يعفى عن الدرهم فما دون.
لنا: قوله تعالى: (وثيابك فطهر) وما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال: تنزهوا من البول. ومن طريق الخاصة ما تقدم فإنهما غير دالة على التقييد بل علق الحكم فيهما على إصابة البول المطلق فيعم بعموم صور وجوده ولأنها نجاسة الا يشق إزالتها فيجب كالكثير فلان مبنى الصلاة على التعظيم وكمال التعظيم بالطهارة من كل وجه وذلك بإزالة قليل النجاسة وكثيرها إلا ما يخرج بالدليل ولان القليل من النجاسة الحكمية وهو الحدث يمنع فالحقيقة أولى لأنها أقوى احتج أبو حنيفة بقول عمر إذا كانت النجاسة مثل ظفري هذا لم يمنع جواز الصلاة وظفره كان قريبا من كف أحدنا ولان في التحرز عن القليل حرج والحرج منفي ولأنها يجتزي فيها بالمحل في محل الاستنجاء ولو لم يعف عنها لم يكن فيها المسح كالكثير ولأنه يشق التحرز عنه فعفي عن قليله كالدم والجواب عن الأول: أنه ليس بحجة إذا لم يرووه عن رسول الله صلى الله عليه وآله ولان ما ذكره من الفتوى عام في النجاسة وما ذكرناه من الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله خاص في البول والخاص مقدم على العام ولأنه يمكن أن يكون المراد بالنجاسة الدم. وعن الثاني:
بالمنع من ثبوت الحرج إذ ملاقاة البول غير دائمة، وعن الثالث: بالمنع من الاجتزاء بالمسح فيها وقد سلف، وعن الرابع: أنه لا مشقة لندوره بخلاف الدم فإن الانسان لا يكاد يخلو من بثرة أو حكمة أو دمل ويخرج من أنفه وفيه وغيرهما فيشق التحرز منه فعفى عن يسيره. [الثاني] لا فرق بين بول المرأة والرجل في التنجيس بلا خلاف. [الثالث] لا فرق بين بول المسلم والكافر بلا خلاف. * مسألة: وبول ما لا يؤكل لحمه مما له نفس سائلة نجس وهو قول علمائنا أجمع وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر وأكثر أهل العلم وقال النخعي أبوال البهائم كلها طاهرة أكل لحمها أم لم يؤكل. لنا: قوله تعالى: (ويحرم عليهم الخبائث) وما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله في قوله تنزهوا من البول فهو مطلق ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ مما تقدم من الأحاديث الدالة على الامر بالغسل من الثوب مطلقا وما رواه في الحسن عن عبد الله بن سنان قال قال أبو عبد الله (ع): اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه وما رواه عن داود البرقي قال سألت أبا عبد الله (ع) عن بول الخشاشيف يصيب ثوبي فاطلبه ولا أجده قال: اغسل ثوبك وما رواه في الموثق عن سماعة عن أبي عبد الله (ع) قال: إن أصاب الثوب شئ من بول السنور فلا تصلح الصلاة فيه ولأنه بول ما لا يؤكل لحمه فكان نجسا كالآدمي ولا نعرف للنخعي دليلا على ما قال. فروع: [الأول] حكم هذا البول حكم بول الانسان في إزالة قليله وكثيره خلافا لأبي حنيفة وقد سبق. [الثاني] لو كان المأكول قد عرض له التحريم أما بالجلل أو بوطي الانسان له كان بوله نجسا لعموم قول أبي عبد الله (ع): اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه. [الثالث] لو كان ما لا يؤكل لحمه غير ذي نفس سائلة كان بوله طاهرا وقال الشافعي وأبو حنيفة وأبو يوسف انه نجس. لنا: الأصل الطهارة ولان التحرز عنه متعذر وحرج فيكون منفيا وحكم روثه حكم بوله أصل: إذا تعارض خبران بينهما عموم من وجه وكانا معلومين أو مظنونين أو المتأخر معلوما والمتقدم مظنونا كان المتأخر ناسخا للمتقدم عند قوم والأقرب أنه ليس كذلك بل يرجع إلى الترجيح وإن جهل التاريخ وكانا معلومين وجب الترجيح لا في الطريق بل في الحكم فإن فقد فالتخيير وإن كانا مظنونين جاز الترجيح أيضا بقوة الاسناد ومع الفقد الترجيح وإن كان أحدهما معلوما والآخر مظنونا جاز ترجيح المعلوم على المظنون فإن ترجيح المظنون بما يتضمنه الحكم حتى حصل التعارض كان الحكم ما قدمناه آخر إذا كان أحد الخبرين أعلى إسنادا من الآخر كان العمل به أولى لان الرواة كلما كانوا أقل كان احتمال الغلط والكذب أقل فكان احتمال الصحة أظهر من آخر إذا كان أحدهما مقدر الحكم الأصل والآخر ناقلا فقد قيل أن المبقي أولى لان حمل الحديث على ما لا يستفاد إلا من الشرع أولى من حمله على ما يستقل العقل بمعرفته فلو جعلنا المبقي متقدما على الناقل لكان واردا حيث لا يحتاج إليه بمعرفتنا بذلك الحكم بالعقل ولو قلنا أن المبقي ورد بعد الناقل لكان واردا حيث يحتاج إليه وكان الحكم بتأخره عن الناقل أولى من الحكم بتقدمه وقيل الناقل أولى لأنه يستفاد منه ما لا يعلم إلا منه وأما المبقي فإن حكمه معلوم بالعقل فكان الناقل أولى ولان القول بتقديم الناقل يستلزم كثرة النسخ لأنه أزال حكم العقل ثم المبقي إزالة بخلاف العكس وهذا إنما يصح في أخبار الرسول صلى الله عليه وآله أما في الاخبار الأئمة (عل) فلا. [الرابع] قال الشيخ في المبسوط بول الطيور كلها طاهرة سواء أكل لحمها