لسلامة آدمي محترم إن لم يمكن دفع الغرق بغير إلقائه، فإن أمكن لم يجز إلقاؤه، والظاهر كما قال الأذرعي أنه لو كان هناك أسرى من الكفار وظهر للأمير أن المصلحة في قتلهم فيبدأ بإلقائهم قبل الأمتعة وقبل الحيوان المحترم، وينبغي كما قال أيضا أن يراعى في الالقاء الأخس فالأخس قيمة من المتاع والحيوان إن أمكن حفظا للمال ما أمكن، الثاني لا يجوز إلقاء الأرقاء لسلامة الأحرار بل حكمها واحد فيما ذكر، وإن لم يلق من لزمه الالقاء حتى غرقت السفينة فهلك به شئ أثم ولا ضمان عليه كما لو لم يطعم مالك الطعام المضطر حتى مات. الثالث لم يميز المصنف حالة الوجوب من حالة الجواز، وقوله لرجاء نجاة الراكب إن كان تعليلا للمسألتين فكيف تصلح هذه العبارة الواحدة للجواز تارة وللوجوب أخرى، وإن كان للوجوب فقط فكيف يستقيم الجواز بدون ذلك؟ والقياس الوجوب لرجاء نجاة الراكب مطلقا، لأن القاعدة الأصولية أن ما كان ممنوعا منه إذا جاز وجب. وقال البلقيني: والذي يقال في ذلك إن حصل هول خيف منه الهلاك مع غلبة السلامة جاز الالقاء لرجاء نجاة الراكب وإن غلب الهلاك مع ظن السلامة بالطرح وجب، ثم استشكل قولهم: إنه يطرح الأخف قيمة ومالا روح فيه لتخليص ذي الروح فإنه إن جعلت الخيرة في عين المطروح للملاح ونحوه فهو غير لائق ، وإن توقف على إذن صاحبه فقد لا يأذن فيحصل الضرر. ثم قال: إنه يحتاج إلى إذن المالك في حال الجواز دون الوجوب، فلو كانت لمحجور لم يجز إلقاؤها في محل الجواز ويجب في محل الوجوب. قال: ولو كانت مرهونة أو لمحجور عليه بفلس، أو لمكاتب، أو لعبد مأذون عليه ديون وجب إلقاؤها في محل الوجوب وامتنع في محل الجواز إلا باجتماع الراهن والمرتهن، أو السيد والمكاتب، أو السيد والمأذون والغرماء في الصورة المذكورة، وإن ألقى الولي في محل الجواز بعض أمتعة محجوره ليسلم به باقيها فقياس قول أبي عاصم العبادي فيما لو خاف الولي استيلاء غاصب على المال، فله أن يؤدي شيئا لتخليصه جوازه هنا، ويحرم على الشخص إلقاء المال ولو ماله بلا خوف، لأنه إضاعة مال. (فإن طرح مال غيره بلا إذن) منه ولو في حال الخوف (ضمنه) لأنه أتلف مال غيره بغير إذنه من غير أن يلجئه إلى إتلافه فصار كما لو أكل المضطر طعام غيره بغير إذنه (وإلا) أي بأن طرحه بإذنه، أو ألقى مال نفسه، ولو اختص الخوف بغيره بأن كان بالشط أو بزورق (فلا) ضمان للاذن المبيح في الأولى ولا لقائه مال نفسه في الثانية، ويشترط مع الاذن أن لا يتعلق به حق الغير كما مر وفارقت هذه حينئذ مسألة المضطر إذا أطعمه مالك الطعام قهرا بأن المطعم ثم دافع للتلف لا محالة، بخلاف الملقى (ولو قال) شخص لآخر في سفينة (ألق متاعك) في البحر (وعلي ضمانه، أو على أني ضامن) له، أو على أن أضمنه فألقاه فيه (ضمنه) وإن لم يكن للملتمس فيها شئ ولم تحصل النجاة لأنه التمس إتلافا لغرض صحيح بعوض فيلزمه، كما إذا قال: أعتق عبدك وعلي كذا، أو طلق زوجتك، أو أطلق الأسير، أو اعف عن القصاص ولك علي كذا، أو على أن أعطيك كذا فأجاب سؤاله فيلزمه ما التزمه. فإن قيل: ينبغي أن لا يصح هذا الضمان، لأنه ضمان ما لم يجب. أجيب بأن هذا ليس على حقيقة الضمان المعروف وإن سمي به وإنما حقيقته الافتداء من الهلاك فهو كما لو قال: أطعم هذا الجائع ولك علي كذا.
تنبيه: قول البلقيني: لا بد أن يشير إلى ما يلقيه، أو يكون معلوما له وإلا فلا يضمن إلا ما يلقيه بحضرته ممنوع لأن هذه حالة ضرورة فلا يشترط فيها شئ من ذلك.
فرع: لو ألقى المتاع شخص أجنبي بعد الضمان لم يضمن المستدعي وكذا لو ألقته الريح، ولا بد في الضمان من استمراره على الالتزام فلو رجع قبل الالقاء لم يضمن (ولو اقتصر) الملتمس (على) قوله (ألق) متاعك في البحر فألقاه (فلا) ضمان (على المذهب) لعدم الالتزام، وفي وجه من الطريق الثاني فيه الضمان كقوله: أد ديني، فأداه فإنه يرجع عليه في الأصح، وفرق الأول بأنه بالقضاء برئ قطعا، والالقاء قد لا ينفعه.
تنبيه: هل يفترق الحال بين كون المأمور بإلقاء ماله أعجميا يعتقد وجوب طاعة أمره أو لا فرق؟ قال الأذرعي: