مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٨٤
فهو المباشر لاهلاك نفسه باختياره. تنبيه: المراد بالضمان الدية، وهي دية شبه عمد. أما القصاص فلا يجب في الأظهر كما ذكره في أول الجراح ، وخرج بدعاء ما لو دخل بغير إذنه فسقط فيها ومات فلا ضمان، وظاهر أنه يضمن فيما لو أكرهه على الدخول، وأفهم قوله رجلا اعتبار التكليف في الداخل. أما غير المكلف فيجئ فيه ما سبق في الضيافة بطعام مسموم، حتى لو كان غير مميز ضمنه قطعا. قال البلقيني: بل يجب القصاص عند التكافؤ (أو) حفر (بملك غيره) بلا إذنه (أو) بملك (مشترك) بينه وبين غيره (بلا إذن) من شريكه (فمضمون) حفره في المسألتين لتعديه، ولو ذكر هذا عقب قوله سابقا: ويضمن بحفر بئر عدوان لكان أولى، لأنه مثال له، وقد مثلت له به (أو) حفر (بطريق ضيق يضر المارة فكذا) يجب ضمان ما تلف بها، وإن أذن الإمام إذ ليس له أن يأذن فيما يضر (أو لا يضر) المارة لسعة الطريق أو لانحراف البئر عن الجادة (وأذن الإمام) في الحفر (فلا ضمان) فيه إن حفره لمصلحة المسلمين على المذهب، وكذا لمصلحة نفسه على الأصح لعدم التعدي.
تنبيه: أفهم كلامه كغيره اعتبار إذن الإمام قبل الحفر، وليس مرادا، بل لو حفر بغير إذن الإمام وأقره عليه فإنه لا يضمن كما لو حفره ابتداء بإذنه كما صرح به الجرجاني ونقله غيره عن الأكثرين، وأفهم أيضا أن الاذن خاص بالإمام، لكن قال العبادي وغيره أن للقاضي الاذن في بناء مسجد واتخاذ سقاية بطريق واسع حيث لم يضر المارة (وإلا) بأن لم يأذن الإمام في الحفر بل استقل هو به (فإن حفر لمصلحته) هو فقط (فالضمان) إن لم يقره الإمام كما مر لافتياته عليه (أو) حفره (لمصلحة عامة) كالحفر للاستقاء أو لاجتماع ماء المطر (فلا) ضمان فيه (في الأظهر) لما فيه من المصلحة العامة، وقد تعسر مراجعة الإمام في مثله، والثاني يضمن إذ النظر في المصالح العامة للإمام، وخص الماوردي الخلاف بما إذا أحكم رأسها فإن لم يحكمها وتركها مفتوحة ضمن مطلقا، ومحله أيضا ما إذا لم ينهه عنه الإمام ولم يقصر، فإن نهاه فحفر ضمن كما قاله أبو الفرج الزاز لافتياته على الإمام حينئذ، أو قصر كأن كان الحفر في أرض خوارة ولم يطؤها، ومثلها ينهار إذا لم يطو، أو خالف العادة في سعتها ضمن وإن أذن الإمام، نبه عليه الرافعي في الكلام على التصرف في الاملاك.
تنبيه: ولو وقع شخص في بئر أو نحوه فوقع عليه آخر عمدا بغير جذب فقتله اقتص منه إن قتل مثله مثله غالبا لضخامته أو عمق البئر أو نحو ذلك كما لو رماه بحجر فقتله، فإن مات الآخر فالضمان في ماله، وإن لم يقتل مثله مثله غالبا فشبه عمد، وإن سقط عليه خطأ بأن لم يختر الوقوع أو لم يعلم وقوع الأول ومات بثقله عليه وبانصدامه بالبئر فنصف الدية على عاقلته لورثة الأول، والنصف الآخر على عاقلة الحافر إن كان الحفر عدوانا لأنه مات بوقوعه في البئر وبوقوع الثاني عليه، وإن لم يكن الحفر عدوانا هدر، وإذا غرم عاقلة الثاني في صورة الحفر عدوانا رجعوا بما غرموا على عاقلة الحافر، لأن الثاني غير مختار في وقوعه عليه، بل ألجأه الحافر إليه فهو كالمكره له على إتلاف مال بل أولى لانتفاء قصده هنا بالكلية. ولو نزل الأول البئر ولم ينصدم ووقع عليه آخر فكل ديته على عاقلة الثاني، وإن مات الثاني فضمانه على عاقلة الحافر المتعدي بحفره لا إن ألقى نفسه في البئر عمدا فلا ضمان فيه لأنه القاتل لنفسه (ومسجد) في الحفر فيه (كطريق) في حفر بئر فيه على التفصيل السابق جزما وخلافا.
تنبيه: قضية إطلاقه أنه يجوز أن يحفر فيه بئرا لمصلحة نفسه خاصة بإذن الإمام وهو كذلك، وإن قال البلقيني : هذا لا يقوله أحد. ففي زوائد الروضة في آخر باب شروط الصلاة نقلا عن الصيمري أنه يكره حفر البئر في المسجد ولم يفرق فيه بين أن يكون للمصلحة العامة أو لمصلحة نفسه على التفصيل السابق. وإذا قلنا بجوازه لم يضمن ما تلف فيه، وإن بحث الزركشي الضمان لعدم تعديه. ومعلوم أنه لا بد أن يكون الحفر لا يمنع الصلاة في تلك البقعة إما لسعة المسجد أو نحوها، وأن لا يتشوش الداخلون إلى المسجد بسبب الاستقاء، وأن لا يحصل به للمسجد ضرر.
ولو بنى
(٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548