ولا خلاف أنه لا يجب شئ في الاعتاق بغير عوض. ولو قال لرقيقه: وهبتك نفسك ونوى العتق عتق، أو التمليك فكذلك إن قبل فورا كما اقتضاه كلامهما في باب الكتابة. (ولو قال لحامل) أي لامته الحامل بمملوك له: (أعتقتك) وأطلق (أو أعتقتك دون حملك عتقا) أي عتقت وتبعها في العتق حملها، ولو انفصل بعضه حتى يأتي يومان، لأنه كالجزء منها وعتقه بالتبعية لا بالسراية، لأن السراية في الأشقاص لا في الاشخاص، ولقوة العتق لم يبطل في الأخيرة، بخلاف البيع فيها كما مر. وظاهر عبارته أنهما يعتقان معا لا مرتبا، والتعليل يقتضيه، لكن قول الزركشي فيما لو أعتقها في مرضه والثلث يفي بها دون الحمل فيحتمل أنها تعتق دونه، كما لو قال: أعتقت سالما ثم غانما وكان الأول ثلث ماله، إذ لا فرق بين أن يرتب هو العتق أن يرتبه الشرع على السبيل التبعية يقتضي الترتيب، وهو الظاهر.
تنبيه: شمل إطلاقه ما لو قال لها: أنت حرة بعد موتي وفيها في الرافعي في باب الوصية وجهان، أحدهما: لا يعتق الحمل لأن إعتاق الميت لا يسري، وأصحهما يعتق، لأنه كعضو منها. (ولو أعتقه) أي الحمل المملوك له، (عتق دونها) حكى ابن المنذر فيه الاجماع. وقيل: تعتق بعتقه كعكسه، ورد بأن العتق إنما وقع بعتق الام تبعا لها ولا يقع العتق عليها بعتقه، لأن الأصل لا يتبع الفرع، وإن أعتقهما عتقا بخلاف البيع في المسألتين كما مر في محله.
(تنبيه) محل صحة إعتاقه وحده إذا نفخ فيه الروح، فإن لم ينفخ فيه الروح كمضغة كأن قال: أعتقت مضغتك فهو لغو كما حكاه قبيل التدبير عن فتاوى القاضي وأقراه، ولا ينافي ذلك ما قالاه في باب الوصية تجوز الوصية بالحمل كما يجوز إعتاقه، ثم الشرطان أن ينفصل لوقت يعلم وجوده عند الوصية، وأن ينفصل حيا، لأن حكم المشبه لا يعطي حكم المشبه به من غير وجه، وأن الوصية لما كانت تصح بالمجهول وبالمعدوم وبالنجس توسعوا فيها فلم يشرطوا في الحمل نفخ الروح بخلاف العتق. ولو قال: مضغة هذه الأمة حرة، ففي فتاوى القاضي أنه إقرار بانعقاد الولد حرا وتصير الام به أم ولد، وقال المصنف: ينبغي أن لا تصير حتى يقر بوطئها لاحتمال أنه حر من وطئ أجنبية بشبهة. قال البلقيني: وهذا غير كاف وصوابه حتى يقر بوطئها، وبأن هذه المضغة منه. قال: وقوله مضغة أمتي لا يتعين للاقرار فقد تكون للانشاء كقوله: أعتقت مضغتها، أي فلم يصح كما مر. وما صوبه غير كاف أيضا، بل لا بد أن يقول: علقت به في ملكي أو نحوه أخذا مما ذكر في الاقرار. (ولو كانت) تلك الأمة الحامل (لرجل والحمل لآخر) كأن أوصى له به، (لم يعتق أحدهما بعتق الآخر) وإن كان المعتق موسرا، لأنه لا استتباع مع اختلاف المالكين.
فروع: لو قال لامته الحامل: إن ولدت ولدا فهو حر فولدت حيا عتق، وإن ولدت ميتا ثم حملت وولدت حيا لم يعتق. ولو قال ذلك لحائل فحملت ووضعت حيا عتق. ولو قال لها: إن ولدت أولا ذكرا فهو حر وإن ولدت أولا أنثى فأنت حرة فولدت ذكرا ثم أنثى عتق الذكر فقط، أو بالعكس عتقت الام والذكر، لأنه حال عتق الام كان جنينا فتبعها، وإن ولدتهما معا أو ذكرين أو أنثيين معا فلا عتق. ولو قال: من دخل الدار أولا من عبيدي فهو حر فدخلها واحد منهم عتق ولو لم يدخلها أحد بعده، ولو دخل اثنان ثم ثالث لم يعتق واحد منهم، إذ لا يوصف واحد منهم بأنه أول.
وأجيب عما ذكر في المسابقة أن الأول يطلق على المتعدد بأنه لا محذور من الاطلاق ثم، إذ لا يلزم المخرج زيادة على المشروط بخلافه هنا إذ لا يلزم عليه زيادة عتق لم يلتزمها، فإن كان قال في هذه أول من يدخل وحده حر عتق الثالث، ولو قال آخر من يدخلها من عبيدي حر فدخل بعضهم بعد بعض لم يعتق أحد منهم إلى أن يموت السيد فيتبين الآخر. (وإذا كان بينهما) أي الشريكين سواء كانا مسلمين أم كافرين أم مختلفين (عبد فأعتق أحدهما كله أو نصيبه) أو بعضه بنفسه أو وكيله، (عتق نصيبه) ولو كان معسرا، (فإن كان معسرا) عند الاعتاق (بقي الباقي) من العبد (لشريكه) ولا يسري لمفهوم الحديث الآتي، (وإلا) بأن لم يكن معسرا (سرى) العتق عليه (إليه) أي نصيب شريكه.