لكن قال البلقيني: ولا أمنع قيافة الأخرس إذا فهم إشارته كل واحد، وفي المطلب اشتراط كونه سميعا. ورده البلقيني، وهو ظاهر. (مجرب) بفتح الراء بخطه في معرفة النسب، لحديث: لا حكم إلا ذو تجربة حسنه الترمذي، وكما لا يولى القضاء إلا بعد معرفة علمه بالأحكام. وفسر المحرر التجربة بأن يعرض عليه ولو في نسوة ليس فيهن أمه ثم مرة أخرى ثم مرة أخرى كذلك في نسوة فيهن أمه. فإن أصاب في الكل فهو مجرب. فإن قيل: لم حذف المصنف هذا مع أن فيه حكمين، أحدهما: أنه لا بد من التجربة ثلاثا، والثاني: أنه لا بد أن يكون العرض مع أمه، وقد تعجب من حذقه لذلك؟
أجيب بأن الحكم الأول منازع فيه، فقد قال الإمام: لا معنى لاعتبار الثلاث، بل المعتبر غلبة الظن بأن قوله عن خبرة لا عن اتفاق، وهذا قد يحصل بدون الثلاث اه. وهذا نظير ما رجحوه في تعليم جارحة الصيد. وأما الحكم الثاني: فإن ذكر الام مع النسوة ليس للتقييد بل للأولوية إذ الأب مع الرجال كذلك، وكذا سائر العصبة والأقارب عند فقدهما.
وقال في الروضة كأصلها: كيفية التجربة أن يعرض عليه ولد في نسوة ليس فيهن أمه، ثم في نسوة ليس فيهن أمه، ثم في نسوة ليس فيهن أمه، ثم في نسوة هي فيهن فيصيب في الكل. واستشكله البارزي بأن المجرب قد يعلم ذلك فلا تبقى فائدة في الثلاثة الأول، وقد يصيب في الرابعة اتفاقا فلا يؤثر بالتجربة، والأولى أن يعرض مع صنف ولد الواحد منهم أو في بعض الأصناف ولا يخص به الرابعة فإذا أصاب في الكل قبل قوله بعد ذلك، وينبغي أن يكتفي بثلاث مرات اه. وقد مر أن الإمام يعتبر غلبة الظن، فمتى حصلت عمل بما في الروضة أو بما قاله البارزي. (والأصح) في الروضة: الصحيح، (اشتراط حر ذكر) كالقاضي. والثاني: لا كالمفتي، (لا) اشتراط (عدد) فيكفي قول الواحد كالقاضي والقاسم. والثاني: يشترط كالمزكي والمقوم. (ولو كونه مدلجيا) أي من بني مدلج، وهم رهط مجزز المدلجي، بل يجوز كونه من سائر العرب والعجم، لأن القيافة نوع من العلم فمن تعلمه عمل به، وفي سنن البيهقي أن عمر رضي الله عنه كان قائفا يقوف. والثاني: يشترط، لرجوع الصحابة رضي الله عنهم إلى بني مدلج في ذلك دون غيرهم، وقد خص الله تعالى جماعة بنوع من المناصب والفضائل كما خص قريشا بالإمامة. ثم أشار المصنف لمسألتين يعرض الولد فيهما على القائف بقوله: (فإذا تداعيا) أي شخصان أو أحدهما وسكت الآخر أو أنكرا ولدا (مجهولا) صغيرا لقيطا كان أو غيره، حيا أو ميتا لم يتغير ولم يدفن، (عرض عليه) أي القائف ولو بعد موت أحد المتداعيين، فمن ألحقه به لحقه كما مر في باب كتاب اللقيط.
والمجنون كالصبي، قال البلقيني: وكذا لو كان مغمى عليه أو نائما أو سكران سكرا يعذر فيه، فلو كان غير المعذور لم يعرض، لأنه بمنزلة الصاحي ولو انتسب إلى هذه الحالة عمل به.
تنبيه: قضية إطلاقه أنه لا فرق بين أن يكون لأحدهما عليه يد أو لا، والأشبه بالمذهب كما قال الرافعي تفصيل ذكره القفال في اللقيط، وهو أنه إن كان في يده عن النقاط لم يؤثر، وإلا قدم صاحب اليد إن قدم استلحاقه، وإلا فوجهان قال الزركشي: أصحهما يستويان فيعرض على القائف. (وكذا لو اشتركا) أي رجلان (في وطئ) لامرأة (فولدت ولدا ممكنا) أي من كل (منهما وتنازعاه) أي ادعاه كل منهما أو أحدهما وسكت الآخر أو أنكر ولم يتخلل بين الوطأين حيضة كما سيأتي، فإنه يعرض على القائف ولو كان بالغا مكلفا كما جزم به الماوردي. ثم بين الاشتراك في الوطئ في صور بقوله: (بأن وطئا امرأة بشبهة) كأن وجدها كل منهما في فراشه فظنها زوجته أو أمته، (أو) بأن وطئ شريكان أمة (مشتركة لهما، أو وطئ زوجته وطلق فوطئها آخر بشبهة أو نكاح فاسد، أو) وطئ (أمته فباعها فوطئها المشتري ولم يستبرئ واحد منهما) فإنه يعرض على القائف. وقال أبو حنيفة: يلحق الولد في هذه الصور بها، ولا اعتبار بقوله القائف بما تقدم وبقوله تعالى * (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) * ولو كان له أبوان لكان له قلب إلى كل منهما، وبأن الولد لا ينعقد من ماء شخصين، لأن الوطئ لا بد أن يكون على التعاقب، وإذا اجتمع ماء المرأة وانعقد الولد منه حصلت عليه غشاوة تمنع من اختلاط