لآدمي كحد زنا وحد قذف، (فلا) يستوفى تلك العقوبة لأنها تسقط بالشبهة والرجوع شبهة. (أو بعده) أي استيفاء المحكوم به، (لم ينقض) أي الحكم لتأكد الامر ولجواز صدقهم في الشهادة وكذبهم في الرجوع وعكسه، وليس أحدهما بأولى من الآخر فلا ينقض الحكم بأمر مختلف. (فإن كان المستوفى) عقوبة، كأن كان (قصاصا) في نفس أو طرف، (أو قتل ردة أو رجم زنا أو جلده) بلفظ المصدر المضاف لضمير الزنا، ولو حذفه كان أخصر وأعم ليشمل جلدة قذف وشرب. (ومات) المجلود أو قطع سرقة أو نحوها، ثم رجعوا (وقالوا تعمدنا) شهادة، أو قال كل منهم: تعمدت ولا أعلم حال صاحبي، مع قولهم: علمنا أنه يستوفى منه بقولنا، (فعليهم قصاص) غائلة إن جهل الولي تعمدهم، وإلا فالقصاص عليه فقط كما أفاده كلام المتن في الجنايات وسيأتي. (أو دية مغلظة) في مالهم موزعة على عدد رؤوسهم لتسببهم إلى إهلاكه.
ولو قال كل من الشاهدين: تعمدت وأخطأ صاحبي، فلا قصاص لانتفاء تمحض العمد العدوان في حق كل منهما بإقراره، بل يلزمهما دية مغلظة. أو قال أحدهما: تعمدت وصاحبي أخطأ. أو قال: تعمدت ولا أدري أتعمد صاحبي أم لا، وهو ميت أو غائب لا يمكن مراجعته. أو اقتصر على: تعمدت، وقال صاحبه: أخطأت، فلا قصاص لما مر. وإن قال: تعمدت وتعمد صاحبي، وهو غائب أو ميت اقتص منه. ولو اعترف أحدهما بعمدهما والآخر بعمده وخطأ صاحبه اقتص من الأول لاعترافه بتعمدهما جميعا دون الثاني، لأنه لم يعترف إلا بشركة مخطئ، ولا أثر لقولهم بعد رجوعهم لم نعلم أنه يقتل بقولنا، بل يحدون في شهادة الزنا حد القذف ثم يرجمون، ولا يضر فيه عدم معرفة محل الجناية ولا قدر الحجر وعدمه، قال القاضي: لأن ذلك تفاوت يسير. وقيل: يقتلون بالسيف ورجحه في المهمات إلا لقرب عهدهم بالاسلام ونشئهم ببادية بعيدة عن العلماء فيكون شبه عمد. وإن قالوا: أخطأنا في شهادتنا، فدية مخففة موزعة على عدد رؤوسهم إن كذبتهم العاقلة، لأن إقرارهم لا يلزم العاقلة ما لم يصدقهم، فإن صدقتهم فعليهم الدية، وكذا إن سكتت كما هو ظاهر كلام كثير خلافا لما يفهمه كلام الروض، فإن صدقتهم لزمه الدية.
فرع: لو ادعوا أن العاقلة تعرف خطأهم هل لهم تحليفهم أو لا؟ رأيان، أوجههما أن لهم ذلك كما رجحه الأسنوي ، لأنها لو أقرت غرمت خلافا لما جرى عليه ابن المقرى من عدم التحليف. (وعلى القاضي) الراجع دون الشهود (قصاص) أو دية مغلظة (إن قال تعمدت) الحكم بشهادة الزور، فإن قال: أخطأت، فدية مخففة عليه لا على عاقلته إن لم تصدقه.
(وإن رجع هو) أي القاضي (وهم) أي الشهود، (فعلى الجميع قصاص) أو دية مغلظة (إن قالوا تعمدنا) ذلك لاعترافهم بالتسبب في قتله عمدا عدوانا. (فإن قالوا أخطأنا فعليه) أي القاضي (نصف دية، وعليهم) أي الشهود (نصف) منها توزيعا على المباشرة والتسبب، قال الرافعي: كذا نقله البغوي وغيره، وقياسه أن لا يجب كمال الدية عند رجوعه وحده كما لو رجع بعض الشهود اه. ورد القياس بأن القاضي قد يستقل بالمباشرة فيما إذا قضى بعلمه بخلاف الشهود، وبأنه يقتضى أنه لا يجب كمال الدية عند رجوع الشهود وحدهم مع أنه ليس كذلك. (ولو رجع مزك) وحده عن تعديل الشهود ولو قبل شهادتهم، (فالأصح أنه يضمن) بالقصاص أو الدية، لأنه بالتزكية يلجئ القاضي إلى الحكم المفضي إلى القتل.
والثاني: المنع، لأنه كالممسك مع القاتل.
تنبيه: ظاهر كلامهم على الأول أنه لا فرق بين قوله: علمت كذبهم وقوله: علمت فسقهم، وبه صرح الإمام، وإن قال القفال: محله إذا قال علمت كذبهم، فإن قال: علمت فسقهم لم يلزمه شئ لأنهم قد يصدقون مع فسقهم. (أو) رجع (ولى) للدم (وحده) دون الشهود، (فعليه قصاص أو دية) بكمالها لأنه المباشر للقتل. (أو) رجع (مع الشهود