على تصحيح المصنف وجوب أدائها عنده على ما مر، لأن الشاهد لا يقدم على ذلك عند الوزير إلا وهو جازم بثبوت المشهود به، قال البلقيني: وكذا إذا شهد عند الكبير الذي دخل في القضية بغير تحكيم، ويجوز تحمل الشهادة على المقر وإن لم يسترعه وعلى الحاكم إذا قال في محل حكمه حكمت بكذا وإن لم يسترعه، وألحق به البغوي إقراره بالحكم.
ومنها لو كان حاكما أو محكما فشهدا عنده ولم يحكم جاز له أن يشهد على شهادتهما، لأنه إذا جاز لغيره أن يشهد عليهما بذلك فهو أولى. (ولا يكفي) جزما (سماع قوله) أي الأصل (لفلان على فلان كذا، أو أشهد بكذا، أو عندي شهادة بكذا) ونحو ذلك من صور الشهادة التي في معرض الاخبار، لاحتمال أن يريد أن له عليه ذلك من جهة وعد وعده إياه ويشير بكلمة على إلا أن مكارم الأخلاق تقتضي الوفاء بها. (وليبين) الشاهد (الفرع عند الأداء) للشهادة (جهة التحمل) فإن استرعاه الأصل قال: أشهد أن فلانا شهد أن لفلان على فلان كذا وأشهدني على شهادته، وإن لم يسترعه بين أنه شهد عند القاضي أو المحكم، أو أنه أسند المشهود به إلى سببه ليكون مؤديا لها على الوجه الذي تحملها به فيعرف القاضي صحتها وفسادها، إذ الغالب على الناس الجهل بجهة التحمل. (فإن لم يبين) جهة التحمل كقوله: أشهد على شهادة فلان بكذا (ووثق القاضي بعلمه) بمعرفة شرائط التحمل، (فلا بأس) بذلك لحصول الغرض به، ولكن يندب أن يسأله بأي سبب ثبت هذا المال، وهل أخبرك به الأصل أو لا؟ ونازع البلقيني في الاكتفاء بذلك وقال: إنه مخالف لاطلاق الأصحاب. ثم شرع المصنف رحمه الله تعالى في صفة شاهد الأصل وما يطرأ عليه، فقال: (ولا يصح التحمل على شهادة) شخص (مردود الشهادة) بفسق أو غيره كرق، لأنه غير مقبول الشهادة.
تنبيه: شمل إطلاقه ما لو ردت شهادته مطلقا أو بالنسبة لتلك الواقعة كما لو شهد فردت شهادته ثم أعادها فلا يصح تحملها وإن كان كاملا في غيرها، لأنه لو أعادها بنفسه لم تقبل، وهو ظاهر (ولا تحمل النسوة) أي لا تقبل شهادتهن على شهادة غيرهن وإن كانت الأصول أو بعضهم نساء وكانت الشهادة في ولادة أو رضاع أو مال، لأن شهادة الفرع تثبت شهادة الأصل لا ما شهد به.
تنبيه: لم يصرح في المحرر بهذه المسألة. وقال المصنف في الدقائق: ليست بزيادة محضة فإنها تفهم من قول المحرر قبل هذا أن ما ليس المقصود منه المال ويطلع عليه الرجال غالبا لا يثبت إلا برجلين انتهى. ولا يصح أيضا تحمل الخنثى المشكل، فإن بانت ذكورته صح تحمله. ولو تحمل فرع واحد عن أصل فيما يثبت بشاهد ويمين فأراد ذو الحق أن يحلف مع هذا الفرع لم يجز لأن شهادة الأصل لا تثبت بشاهد ويمين، ولو شهد على أصل واحد فرعان فله الحلف معهما، قاله الماوردي. (فإن مات الأصل أو) حدث به مانع لا يقدح، كأن (غاب أو مرض لم يمنع) ذلك (شهادة الفرع) أي أداءها لأنه محلها، كما سيأتي بشرطه، وذكر هنا توطئة لما بعده، (وإن حدث) بالأصل مانع قادح، وهو (ردة أو فسق أو عداوة) أو نحو ذلك، (منعت) هذه القوادح وما أشبههما شهادة الفرع، لأن هذه الأمور لا تهجم دفعة واحدة بل الفسق يورث الريبة فيما تقدم، والردة تشعر بخبث في العقيدة، والعداوة بضغائن كانت مستكنة وليس لمدة ذلك ضبط فيعطف إلى حالة التحمل.
تنبيه: لو حدث الفسق أو الردة بعد الشهادة وقبل الحكم امتنع الحكم، وهذا مما يلغز به فيقال: عدلان شهدا بشئ عند القاضي وقبلت شهادتهما ثم امتنع عليه الحكم بشهادتهما لفسق غيرهما ولا أثر لحدوث ذلك بعد القضاء،