(وأشهدوا ذوي عدل منكم) * ولدعاء الحاجة إليها، لأن الأصل قد يتعذر، ولان الشهادة حق لازم فيشهد عليها كسائر الحقوق لأنها طريق تظهر الحق كالاقرار فيشهد عليها. لكنها إنما تقبل (في غير عقوبة) لله تعالى وغير إحصان كالأقارير والعقود والفسوخ والرضاع والولادة وعيوب النساء، سواء فيه حق الآدمي وحق الله تعالى كالزكاة ووقف المساجد والجهات العامة وهلال رمضان للصوم وذي الحجة للحج. (وفي) إثبات (عقوبة لآدمي على المذهب) كالقصاص وحد القذف. أما العقوبة لله تعالى كالزنا وشرب الخمر فلا يقبل فيها الشهادة على الشهادة على الأظهر.
وخرج منها قول في عقوبة الآدمي، ودفع التخريج بأن حق الله تعالى مبني على التخفيف، بخلاف حق الآدمي فلذلك عبر المصنف فيه بالمذهب. وأما الاحصان فيمن ثبت زناه فكالحد فلا يقبل فيه الشهادة على الشهادة على الأصح كما حكاه الرافعي عن ابن القاص.
تنبيه: يفهم من منع ثبوت إحصان من ثبت زناه منع ثبوت بلوغه، لأنه يؤول إلى العقوبة، وكذا بقية ما يعتبر في الاحصان. قال البلقيني: وكذا لا تقبل الشهادة على الشهادة بلعان الزوج إذا أنكرته المرأة لم يترتب عن لعانه من إيجاد الحد على المرأة إذا لم تلعن، وكذا الشهادة على الشهادة بانتقاض عهد الذمي ليخير الإمام فيه بين أمور فيها القتل، والشهادة على الشهادة على الإمام باختيار القتل، وعلى الحاكم الذي حكم بقتل من نزل على حكمه من الرجال المكلفين، وعلى الحاكم بإيجاد الحد على الزاني.
فرع: يجوز إشهاد الفرع على شهادته كما يفهم من إطلاق المتن وصرح به الصيمري وغيره. (وتحملها) أي الشهادة له أسباب ثلاثة، السبب الأول: ما ذكره بقوله (بأن يسترعيه) الأصل، أي يلتمس منه رعاية الشهادة وحفظها، لأن الشهادة على الشهادة نيابة، فاعتبر فيه الاذن. (فيقول) الأصل للفرع: (أنا شاهد بكذا) أي بأن لفلان على فلان كذا، (وأشهدك) على شهادتي، أو أشهدتك على شهادتي. (أو) يقول: (أشهد على شهادتي) أو إذا شهدت على شهادتي فقد أذنت لك في أن تشهد به. قال في أصل الروضة: ولا يشترط أن يقول في الاسترعاء: أشهدك على شهادتي وعن شهادتي، لكنه أتم، فقوله: أشهدك على شهادتي تحميل، وقوله: وعن شهادتي إذن في الأداء كأنه قال: أدها عني.
تنبيه: ليس استرعاء الأصل شرطا كما يفهم كلامه، بل متى صح الاسترعاء لم يختص التحمل بالمسترعي، بل له ولمن سمع ذلك أن يشهد على الشهادة المذكورة. وأفهم كلامه أنه يشترط لفظ الشهادة وهو كذلك، فلا يكفي أعلمك وأخبرك بكذا ونحوهما، كما لا يكفي في أداء الشهادة عند القاضي. السبب الثاني: ما ذكره بقوله: (أو) بأن (يسمعه ويشهد عند قاض) أن لفلان على فلان كذا فله أن يشهد على شهادته وإن لم يسترعه، كما أن للقاضي ذلك قبل الحكم، لأنه إنما شهد عند القاضي بعد تحقيق الوجوب. السبب الثالث: ما ذكره بقوله: (أو) بأن يسمعه (يقول: أشهد أن لفلان على فلان ألفا عن ثمن مبيع أو غيره) كقرض، فإذا بين سبب الشهادة جاز لمن سمعه أن يشهد على شهادته وإن لم يسترعه، لأن إسناده إلى السبب يرفع احتمال الوعد والتساهل. (وفي هذا) السبب الأخير (وجه) أنه لا يكفي لاحتمال التوسع فيه، وحكاه الإمام عن الأكثرين وصححه البلقيني.
تنبيه: كلامه يشعر بأن ما قبل الأخير وهو الشهادة عند قاض لا خلاف فيه، وليس مرادا بل فيه وجه بعدم الكفاية أيضا. وورد على حصره الأسباب فيما ذكره صور، منها ما إذا سمعه يؤدي عند المحكم كما قاله القاضي والإمام ولم يفصلا بين أن يقول بجواز التحكيم أو لا، وبه صرح الفوراني والبغوي وجرى عليه الشيخان، لأنه لا يشهد عنده إلا وهو جازم بما يشهد به. وينبغي كما قال ابن شهبة الاكتفاء بأداء الشهادة عند أمير أو وزير بناء