أجيب بأن قوله: (سواء رجعن معه أو وحدهن) لأن المال لم يثبت بشهادة النساء المتمحضات وإن كثرن بخلاف الرضاع ينافيه. (وإن رجع ثنتان) منهن فقط (فالأصح لا غرم) عليهما لبقاء الحجة. والثاني: عليهما ربع الغرم، لأنهما ربع البينة.
تنبيه: لو شهد رجلان وامرأة ثم رجعوا، قال القاضي الحسين في كتاب الحدود: لا شئ على المرأة وعلى الرجلين الغرم. وقال هنا: يجب عليها الخمس، وهذا هو الظاهر. (و) الأصح (أن شهود إحصان) إذا رجعوا بعد رجم القاضي الزاني دون شهود الزنا كما صورها في الشرح والروضة، أو معهما كما شمله إطلاق المصنف، فإن الخلاف جار في ذلك.
(أو) شهود (صفة مع شهود تعليق طلاق، أو عتق) على صفة عليها إذا رجعوا بعد نفوذ الطلاق والعتق دون شهود التعليق، (لا يغرمون شيئا) أما شهود الاحصان فلأنهم لم يشهدوا بموجب عقوبة، وإنما وصفوه بصفة كمال، وأما شهود الصفة مع شهود التعليق فلأنهم لم يشهدوا بطلاق ولا عتق، وإنما أثبتوا صفة. والثاني: يغرمون، لأن الرجم يتوقف على ثبوت الزنا والاحصان جميعا، فالقتل لم يستوف إلا بهم، وكذلك الطلاق والعتق وقع بقولهم، قال في المهمات:
وهذا هو المعروف، وقد صححه الماوردي والبندنيجي والجرجاني اه. وقال البلقيني: إنه أرجح. فإن قيل: قد مر أن المزكي يغرم، فهلا كان شهود الاحصان والصفة كذلك أجيب بأن المزكي معين للشاهد المتسبب في القتل ومقوله بخلاف الشاهد في الاحصان أو الصفة. وإذا حكم القاضي بشاهدين فبانا مردودي الشهادة فقد سبق أن حكمه يبين بطلانه فتعود المطلقة بشهادتهم زوجة، والمعتقة بها أمة، فإن استوفي بها قتل أو قطع فعلى عاقلة القاضي الضمان. ولو حدا لله تعالى وإن كان مالا تالفا ضمنه المحكوم له، فإن كان معسرا أو غائبا غرم القاضي للمحكوم عليه ورجع به على المحكوم له إذا أيسر أو حضر، ولا غرم على الشهود لأنهم ثابتون على شهادتهم، ولا على المزكين، لأن الحكم غير مبني على شهادتهم مع أنهم تابعون للشهود.
خاتمة: لو شهد اثنان بكتابة رقيق ثم رجعا بعد الحكم وعتق بالأداء ظاهرا هل يغرمان القيمة كلها لأن المؤدى من كسبه وهو لسيده أو نقص النجوم عنها لأنه الفائت؟ وجهان، أشبههما كما قال الزركشي الثاني. أو شهد أنه طلق زوجته، أو أعتق أمته بألف ومهرها أو قيمتها ألفان ثم رجعا بعد الحكم غرما ألفا، وقيل: يغرمون مهر المثل أو القيمة. أو شهدا بإيلاد أو تدبير ثم رجعا بعد الحكم غرما القيمة بعد الموت، لا قبله، لأن الملك إنما يزول بعده.
أو شهدا بتعليق عتق أو طلاق بصفة ثم رجعا بعد الحكم غرما المهر أو القيمة بعد وجود الصفة لا قبله لما مر.
أو شهد أنه تزوج امرأة بألف ودخل بها ثم رجعا بعد الحكم غرما لها ما نقص عن مهر مثلها إن كان الألف دونه كما رجحه ابن المقرى، وقيل: لا يغرمان شيئا، ورجحه الزركشي. ولو شهد اثنان بعقد نكاح في وقت واثنان بالوطئ في وقت بعده واثنان بالتعليق بعد ذلك ورجع كل عما شهد به بعد الحكم غرم من شهد بالعقد والوطئ ما غرمه الزوج بالسوية بينهم نصف بالعقد ونصف بالوطئ، ولا يغرم من شهد بالتعليق شيئا، ولا من أطلق الشهادة بالوطئ. ولو رجع فروع أو أصول عن شهادتهما بعد الحكم بشهادة الفروع غرموا، وإن رجعوا كلهم فالغارم الفرع فقط، لأنهم ينكرون إشهاد الأصول ويقولون كذبنا فيما قلنا والحكم وقع بشهادتهم. ولو شهد أربعة على شخص بأربعمائة فرجع واحد منهم عن مائة وآخر عن مائتين والثالث عن ثلاثمائة والرابع عن أربعمائة، فالرجوع الذي لا يبقى معه حجة عن مائتين دون المائتين الآخرين لبقاء الحجة فيهما، فمائة يغرمها الأربعة باتفاقهم، قال الشيخان: وثلاثة أربعمائة يغرمها غير الأول بالسوية، ولاختصاصهم بالرجوع عنها، والرابع الآخر لا غرم فيه لبقاء ربع الحجة. وقال البلقيني: الصحيح أن الثلاثة إنما يغرمون نصف المائة. وما ذكر إنما يأتي على الضعيف القائل بأن كلا منهم يغرم حصته مما رجع عنه، وما قاله ظاهر وعليه النصف الآخر لأغرم فيه. ويغرم متعمد في شهادة الزور باعترافه إذا لم يقتص منه وإلا دخل التعزير