وكيل وأراد أن لا يخصم فليعزل نفسه، وإن لم يعلم ذلك فينبغي أن يقول: لا أعلم أني وكيل، ولا يقول: لست بوكيل، فيكون مكذبا لبينة قد تقوم عليه بالوكالة. (وإذا ثبت) عند حاكم (مال على غائب) وحكم به عليه (وله مال) حاضر وطلبه المدعى (قضاء الحاكم منه) لأنه حق وجب عليه وتعذر وفاؤه من جهة من عليه فقام الحاكم مقامه كما لو كان حاضرا فامتنع.
تنبيه: قضية كلامه أنه يقضيه ولا يطالب بكفيل، وهو الأصح، لأن الأصل عدم الدفع. (وإلا) بأن لم يكن الغائب مال حاضر، (فإن سأل المدعي إنهاء الحال) من سماع بينة أو شاهد ويمين بعد ثبوت عدالة الشاهد أو سأل إنهاء حكم (إلى قاضي بلد الغائب أجابه) لذلك إن علم مكان الغائب مسارعة إلى قضاء الحقوق، (فينهي) إليه (سماع بينة ليحكم بها ثم يستوفي المال) ويكتب في صفة إنهائها: سمعت بينة عادلة قامت عندي بأن لفلان على فلان كذا فأحكم بها. وهو مشروط ببعد المسافة كما سيأتي. (و) ينهي إليه (حكما) إن حكم (ليستوفي) المال، ويكتب في إنهاء الحكم: قامت عندي بينة عادلة على فلان لفلان بكذا وحكمت له به فاستوفى حقه، ولان الحاجة قد تدعو لذلك، فإن من له بينة في بلد وخصمه في بلد آخر لا يمكنه حملها إلى بلد الخصم ولا حمل الخصم إلى بلد البينة فيضيع الحق، ولا يشترط في هذه الحالة بعد المسافة كما سيأتي.
تنبيه: اعلم أن لانهاء الحال إلى قاضي بلد الغائب ثلاث درجات، الأولى: سماع البينة. والثانية: قول الحاكم ثبت عندي، وهي تستلزم الأولى بخلاف العكس. والثالثة: الحكم بالحق، وهو أرفع الدرجات وتستلزم ما قبلها، وحينئذ فالذي يرتب عليه المكتوب إليه الحكم هو الثانية لا الأولى. قال ابن شهبة: فإذا تعبير المصنف ليس بمحرر. وقوله: إلى قاضي بلد الغائب يوهم أنه لا بد أن يكون المكتوب إليه معينا، وليس مرادا، بل يجوز أن يكتب إلى من يصل إليه من قضاة المسلمين، فمن بلغه عمل به. ولو كتب لمعين فشهد الشاهدان عند غيره قبل شهادتهما وأمضاه اعتمادا على الشهادة. وقول المصنف: سماع بينة ليحكم بها يوهم أنه لو سمع البينة ولم يعد لهم وفوض تعديلها إلى المكتوب إليه لا يجوز، وليس مرادا، ويوهم أنه لو ثبت الحق عنده بعلمه وكتب ليقضي له بموجب علمه على المدعى عليه أنه لا يجوز، وبه صرح في العدة فقال: لا يجوز وإن جوزنا القضاء بالعلم، لأنه ما لم يحكم به هو كالشاهد، والشهادة لا تتأدى بالكتابة. وفي أمالي السرخسي جوازه. ويقضي به المكتوب إليه إذا جوزنا القضاء بالعلم، لأن إخباره عن علمه إخبار عن قيام الحجة، فليكن كإخباره عن قيام البينة. قال الأسنوي: وبما قاله في العدة جزم به صاحب البحر وجرى عليه ابن المقري، وقال البلقيني:
الأصح المعتمد ما قاله السرخسي اه. وهذا هو مقتضى كلام أصل الروضة، ولهذا قال شيخنا: ما قاله المصنف - يعني ابن المقري - عكس ما اقتضاه كلام أصله ولعله سبق قلم. (والانهاء أن يشهد عدلين بذلك) أي بسماع البينة خاصة، أو بالحكم باستيفاء الحق يؤديانه عند القاضي الآخر. ولو لم يشهدهما ولكن أنشأ الحكم بحضورهما فلهما أن يشهدا عليه وإن لم يشهدهما كما يعلم مما يأتي. (ويستحب) مع الاشهاد (كتاب به) ولا يجب، لأن الاعتماد على الشهادة، وفائدة الكتاب ليذكر الشاهد الحال لأنه قد ينساه. (يذكر فيه ما يتميز به المحكوم عليه) والمحكوم له من اسم كل منهما وكنيته وقبيلته وحليته وغير ذلك ليسهل التمييز، ويذكر أسماء شهور الكتاب وتاريخه.
تنبيه: كان الأولى أن يقول: ما يتميز به الغائب بدل المحكوم عليه ليتناول الثبوت المجرد عن الحكم. (ويختمه) أي الكتاب ندبا حفظا للكتابة وإكراما للمكتوب إليه، وختم الكتاب سنة متبعة كما قاله ابن بطال شارح البخاري، روى البخاري: أنه (ص) كان يرسل كتبه غير مختومة، فامتنع بعضهم من قبولها إلا مختومة، فاتخذ خاتما ونقش عليه محمد رسول الله. وإنما كانوا لا يقرؤون كتابا غير مختوم خوفا على كشف أسرارهم وإضاعة تدبيرهم. ويكون