تنبيه: محل الخلاف في غير المنصوب للجرح والتعديل، أما هو فليس للحاكم سؤاله عن السبب كما نقله الزركشي عن المطلب عن ابن الصباغ. وإنما لم يحتج في التعديل إلى بيان سبب العدالة، لأن أسبابها كثيرة غير منحصرة. ولا يجعل الجارح بذكر الزنا قاذفا وإن انفرد لأنه مسؤول في حقه فرض كفاية أو عين، بخلاف شهود الزنا إذا نقصوا عن الأربعة، فإنهم قذفة لأنهم مندوبون إلى الستر فهم مقصرون. ولو قال الشاهد: أنا مجروح قبل وإن لم يبين السبب كما قاله الهروي. وإنما يكون الجرح والتعديل عند القاضي أو من يعينه القاضي لذلك. (ويعتمد) الجارح (فيه) أي الجرح، (المعاينة) كأن رآه يزني، أو السماع كما ذكره في المحرر كما إذا سمعه يقذف إنسانا، أو يقر على نفسه بذلك، (أو الاستفاضة) عنه بين الناس بما يجرحه، أو التواتر كما فهم بالأولى، وكذا شهادة عدلين مثلا بشرطه لحصول العلم أو الظن بذلك. وفي اشتراط ذكر ما يعتمده من معاينة ونحوها وجهان، أحدهما وهو الأظهر:
نعم، فعلى هذا لا بد أن يقول رأيته يزني أو سمعته يقذف أو نحو ذلك. وثانيهما وهو الأقيس: لا. ذكره في الروضة وأصلها، ويحكى هذا عن ابن أبي هريرة، وهو الظاهر في سائر الشهادات.
تنبيه: إذا لم يقبل الجرح يفيد التوقف عن الاحتجاج بالمجروح إلى أن يبحث عن ذلك الجرح، ذكره ابن الصلاح والمصنف في الرواية. قال ابن النقيب: ولا فرق بين الرواية والشهادة فيما يظهر. (ويقدم) الجرح، أي بينته (على) بينة (التعديل) سواء أكانت بينة الجارح أكثر أم لا لزيادة علمها، فإن بينة التعديل ثبت أمرها على ما ظهر من الأسباب الدالة على العدالة وخفي عليها ما اطلع عليه بينة الجارح من السبب التي جرحته به كما لو قامت بينة بالحق وبينة بالابراء. (فإن قال المعدل) بكسر الدال بخطه: (عرفت سبب الجرح وتاب منه وأصلح، قدم) قوله على قول الجارح، لأن معه حينئذ زيادة علم بجريان التوبة وصلاح الحال بعد وجود السبب الذي اعتمده الجارح.
تنبيه: هذه المسألة إحدى مسألتين تقدم فيهما بينة التعديل على الجرح. والثانية: لو جرح ببلد ثم انتقل لآخر فعدله اثنان قدم التعديل كما قاله صاحب البيان عن الأصحاب، قال في الذخائر: ولا يشترط اختلاف البلدين، بل لو كانا في بلد واختلف الزمان فكذلك اه. وحاصل الامر تقديم البينة التي معها زيادة علم من جرح أو تعديل. ولو عدل الشاهد في واقعة ثم شهد في أخرى وطال بينهما زمن استبعده القاضي باجتهاده طلب تعديله ثانيا، لأن طول الزمن يغير الأحوال بخلاف ما إذا لم يطل. ولو عدل في مال قليل هل يعمل بذلك التعديل المذكور في شهادته بالمال الكثير بناء على أن العدالة لا تتجزأ أو لا بناء على أنها تتجزأ؟ وجهان، قال ابن أبي الدم: المشهور من المذهب الأول، فمن قبل في درهم قبل في الألف، نقله عن الأذرعي وأقره. ولو عدل الشاهد عند القاضي في غير محل ولايته لم يعمل بشهادته إذا عاد إلى محل ولايته، إذ ليس هذا قضاء بعلم، بل ببينة فهو كما لو سمع البينة خارج ولايته. (والأصح أنه لا يكفي في التعديل قول) الخصم (المدعى عليه) وهو عارف بالتعديل أهل للاقرار بالحق المدعى به: (هو) أي الشاهد (عدل وقد غلط) على في شهادته، بل لا بد من البحث والتعديل لأن الاستزكاء حق لله تعالى، ولهذا لا يجوز الحكم بشهادة فاسق وإن رضي الخصم.
تنبيه: كلامه يقتضي أن مقابل الأصح الاكتفاء بذلك في التعديل، ولا قائل به، وإنما مقابله الاكتفاء به في الحكم على المدعى عليه بذلك، لأن الحق له وقد اعترف بعدالته. قال البلقيني: وقوله: وقد غلط لا يحتاج إليه، بل اعترافه بعدالته يقتضي جريان الوجهين وإن لم يقل غلط.
خاتمة: تقبل شهادة الحسبة في الجرح والتعديل كما سيأتي، لأن البحث عن حال الشهود ومنع الحكم بشهادة الفاسق حق لله تعالى. ويسن للقاضي قبل التزكية أن يفرق شهودا أرباب تهم أو توهم غلطهم لخفة عقل وجدها فيهم ويسأل كلا منهم عن زمان محل الشهادة عاما وشهرا ويوما أو غدوة أو عشية، وعمن كتب شهادته معه، وأنه كتب