تنبيه: من نصب أرباب المسائل حاكما في الجرح والتعديل كفى أن ينهي إلى القاضي وحده ذلك، فلا يعتبر العدد لأنه حاكم فالحكم مبني على قوله، وكذا لو أمر القاضي صاحب المسألة بالبحث فبحث وشهد بما بحثه، لكن يعتبر العدد لأنه شاهد. قال في أصل الروضة: وإذا تأملت كلام الأصحاب فقد تقول ينبغي أن لا يكون فيه خلاف محقق، بل إن ولي صاحب المسألة الجرح والتعديل فحكم القاضي مبني على قوله، فلا يعتبر العدد لأنه حاكم، وإن أمره بالبحث فبحث ووقف على حال الشاهد وشهد به، فالحكم أيضا مبني على قوله، لكن يعتبر العدد لأنه شاهد، وإن أمره بمراجعة مزكين وإعلامه ما عندهما فهو رسول محض فليحضر أو يشهدا، وكذا لو شهدا على شهادتهما لأن شاهد الفرع لا يقبل مع حضور الأصل اه. فقد رفع بذلك الخلاف في أن الحكم بقول المزكين أو بقول هؤلاء. والذي نقله عن الأكثرين أنه بقول هؤلاء، وهو كما قال شيخنا المعتمد. واعتذر ابن الصباغ عن كونه شهادة على شهادة مع حضور الأصل بالحاجة، لأن المزكين لا يكلفون الحضور. ويعتبر فيمن نصب حاكما في الجرح والتعديل صفات القضاة. (وشرطه) أي المزكى الذي يشهد بالعدالة مثلا، (كشاهد) أي كشرطه. وقضيته عدم شهادة الأب بتعديل الابن وعكسه، وهو الأصح.
(مع معرفة) أسباب (الجرح والتعديل) لئلا يجرح العدل ويزكى الفاسق، (وخبرة باطن من يعدله لصحبة أو جوار) بكسر الجيم أفصح من ضمها، (أو معاملة) ونحوها، فعن عمر رضي الله تعالى عنه أن اثنين شهدا عنده، فقال لهما: إني لا أعرفكما، ولا يضركما أني لا أعرفكما، ائتيا بمن يعرفكما فأتيا برجل، فقال له عمر: كيف تعرفهما؟ قال: بالصلاح والأمانة، قال: هل كنت جارا لهما تعرف صباحهما ومساءهما ومدخلهما ومخرجهما؟ قال: لا، قال: هل عاملتهما بهذه الدراهم والدنانير التي يعرف بهما أمانات الرجال؟ قال: لا، قال: هل صاحبتهما في السفر الذي يسفر عن أخلاق الرجال؟ قال: لا، قال: فأنت لا تعرفهما، ائتيا بمن يعرفكما والمعنى فيه أن أسباب الفسق خفية غالبا، فلا بد من معرفة المزكى حال من يزكيه.
ويشترط علم القاضي بأنه خبير بباطن الحال إلا إذا علم من عدالته أنه لا يزكى إلا بعد الخبرة فيعتمده. ولا يعتبر في خبرة الباطن التقادم في معرفته، بل يكتفي بشدة الفحص ولو غريبا يصل المزكى بفحصه إلى كونه خبيرا بباطنه، فحين يغلب على ظنه عدالته باستفاضة شهد بها. واحترز المصنف بقوله: من يعدله عن الشاهد بالجرح، فإنه لا يشترط فيه الخبرة الباطنة فإنه لا يقبل إلا مفسرا. وما ذكره من اعتبار شروط الشاهد محله في غير المنصوب، أما من نصب حاكما في الجرح والتعديل فيعتبر فيه صفات القاضي كما مر. وقوله: وخبرة ومجرور بالعطف على قوله: مع معرفته، وجوز ابن الفركاح رفعه بالعطف على خبرة قوله: وشرطه خبرة. (والأصح اشتراط لفظ شهادة) من المزكى، فيقول: أشهد أنه عدل أو غير عدل لكذا كسائر الشهادات. والثاني: لا يشترط لفظها، بل يكفي أعلم وأتحقق وهو شاذ. (و) الأصح (أنه يكفي) مع لفظ الشهادة قول المزكى: (هو عدل) لأنه أثبت العدالة التي اقتضاها ظاهر قوله تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) * وهذا ما نص عليه في حرملة. (وقيل) ونص عليه في الام والمختصر: (يزيد) على ذلك قوله: (علي ولي) لأن قوله:
هو عدل لا يمنع أن يكون عدلا في شئ دون شئ، فهذه الزيادة تزيل الاحتمال، وعلى الأول تأكيد. ولو شهد عند القاضي جماعة وأشكل عليه عدالتهم فأخبر نائب القاضي أن اثنين منهم عدلان، فإن عينهما حكم وإلا فلا. (ويجب ذكر سبب الجرح) صريحا كقوله: هو زان أو قاذف أو سارق أو نحو ذلك، أو يقول ما يعتقده من البدعة المنكرة، لأن أسباب الجرح مختلف فيها، فلا بد من البيان ليفعل القاضي باجتهاده، ويكفي ذكر بعض أسباب. وقيل إن كان الجارح عالما بالأسباب اكتفي بإطلاقه وإلا فلا.