يراها كان حكمه بها أعلى من حكمه بالموجب. مثاله بيع المدبر مختلف في صحته، ف الشافعي يرى صحته، والحنفي يرى فساده، فإذا حكم بصحته شافعي كان حكمه بها أعلى من حكمه بموجب البيع، لأن حكمه في الأول حكم المختلف فيه قصدا، وفي الثاني يكون حكمه بها ضمنا، لأنه في الثاني إنما حكم قصدا بترتب أثر البيع عليه، واستتبع هذا الحكم الحكم بالصحة، لأن أثر الشئ إنما يترتب عليه إذا كان صحيحا. ومثل هذا تعليق طلاق المرأة على نكاحها، ف الشافعي يرى بطلانه والمالكي يرى صحته، فلو حكم بصحته مالكي صح، واستتبع حكمه به الحكم بوقوع الطلاق إذا وجد السبب، وهو النكاح، بخلاف ما لو حكم بموجب التعليق المذكور فإنه يكون حكمه متوجها إلى وقوع الطلاق قصدا لا ضمنا فيكون لغوا، لأن الوقوع لم يوجد، فهو حكم بالشئ قبل وجوده، فلا يمنع الشافعي أن يحكم بعد النكاح ببقاء العصمة وعدم وقوع الطلاق. وإذا كان الشئ متفقا على صحته والخلاف في غيرها كان الامر بالعكس، أي يكون الحكم بالموجب فيه أعلى من الحكم بالصحة، مثاله التدبير متفق على صحته، فإذا حكم الحنفي بصحته لا يكون حكمه مانعا للشافعي من الحكم بصحة بيعه، بخلاف ما لو حكم الحنفي بموجب التدبير، فإن حكمه بذلك يكون حكما ببطلان بيعه، فهو مانع من حكم الشافعي بصحة بيعه. وهل يكون حكم الشافعي بموجب التدبير حكما بصحة بيعه حتى لا يحكم الحنفي بفساده؟ الظاهر كما قال الأشموني لا، لأن جواز بيعه ليس من موجب التدبير، بل التدبير ليس مانعا منه ولا مقتضيا له. نعم جواز بيعه من موجبات الملك، فلو حكم شافعي بموجب الملك أن يكون مانعا للحنفي من الحكم ببطلان بيعه، لأن الشافعي حينئذ قد حكم بصحة البيع ضمنا. ومثل التدبير بيع الدار المتفق على صحته لو اختلف فيه، إذا حكم الشافعي بصحته كان حكمه مانعا للحنفي من الحكم بشفعة الجوار، وإن حكم بموجب البيع كان حكمه به مانعا للحنفي من ذلك. ولو حكم شافعي بصحة إجارة لا يكون حكمه مانعا للحنفي من الحكم بفسخها بموت أحد المتاجرين، وإن حكم الشافعي فيها بالموجب فالظاهر خلافا لبعضهم أن حكمه يكون مانعا للحنفي من الحكم بالفسخ بعد الموت، لأن حكم الشافعي بالموجب قد يتناول الحكم بانسحاب بقاء الإجارة ضمنا. فإن قيل: حكم الشافعي ببقاء الإجارة بعد الموت حكم بالموت قبل وجوده فيكون باطلا كما مر في حكم المالكي بموجب التعليق. أجيب بأن الحكم ببقاء الإجارة حكم وقع ضمنا، لأن موجب الإجارة لم ينحصر فيه، وحكم المالكي بموجب التعليق وقع بوقوع الطلاق قصدا لانحصار موجب التعليق فيه، وهم يغتفرون في الضمنيات ما لا يغتفرون في القصديات، قال الأشموني:
هذا ما ظهر لي. وقد بان لك أن الحكم بالصحة يستلزم الحكم بالموجب وعكسه، وهذا غالب لا دائم فقد يتجرد كل منهما عن الآخر، مثال تجرد الصحة البيع بشرط الخيار فإنه صحيح ولم يترتب عليه أثره فيحكم فيه بالصحة ولا يحكم فيه بالموجب، ومثال تجرد الموجب الخلع والكتابة على نحو خمر فإنهما فاسدان ويترتب عليهما أثرهما من البينونة والعتق ولزوم مهر المثل والقيمة فيحكم فيهما بالموجب دون الصحة، وكذا الربا والسرقة ونحوهما يحكم فيه بالموجب دون الصحة. ويتوقف الحكم بموجب البيع مثلا كما أوضحته على ثبوت ملك المالك وحيازته وأهليته وصحة صيغته في مذهب الحاكم. وقال ابن قاسم أخذا من كلام ابن شهبة: والفرق بين الحكم بالصحة والحكم بالموجب أن الحكم بالموجب يستدعي صحة الصيغة وأهلية التصرف، والحكم بالصحة يستدعي ذلك وكون التصرف صادرا في محله وفائدته في الأثر المختلف فيه، فلو وقف على نفسه وحكم بموجبه حاكم كان حكما منه بأن الواقف من أهل التصرف، وصيغة وقفه على نفسه صحيحة حتى لا يحكم ببطلانها من يرى الابطال، وليس حكما بصحة وقفه لتوقفه على كونه مالكا لما وقفه حين وقفه ولم يثبت ذلك. ويسن للقاضي إذا أراد الحكم أن يعلم الخصم بأن الحكم موجبه عليه وله الحكم على ميت بإقراره حيا في أحد وجهين رجحه الأذرعي. (ويستحب) للقاضي (نسختان) بما وقع بين الخصمين وإن لم يطالبا بذلك. (إحداهما) تعطى (له) أي صاحب الحق غير مختومة لينظر فيها ويعرضها على الشهود لئلا ينسوا. (و) النسخة (الأخرى تحفظ في ديوان الحكم) مختومة مكتوبا على رأسها اسم الخصمين ويضعها في حرز