فالأسبق منهم بمجلس الحكم إن جاءوا مترتبين وعرف السابق، لأنه العدل، كما لو بسبق موضع مباح، والعبرة بسق المدعي دون المدعى عليه، لأن الحق للمدعي.
تنبيه: قال البلقيني: محل وجوب تقديم السابق إذا تعين على القاضي فصل الخصومات، وإلا فله أن يقدم من شاء كما صرحوا به في العلم الذي لا يجب تعليمه. (فإن جهل) الأسبق منهم (أو جاءوا معا أقرع) بينهم، وقدم من خرجت قرعته، إذ لا مرجح، فإن آثر بعضهم بعضا جاز. هذا إذا أمكن الاقراع، فإن كثروا أو عسر الاقراع كتب أسماءهم في رقاع وجعلها بين يديه ليأخذها واحدة واحدة ويقدم صاحبها، هكذا قالاه، وهذا نوع من الاقراع كما صرح به الروياني. وتسمع دعوى الأول فالأول حتما، فإن كان فيهم مريض يتضرر بالصبر لتوبته فالأولى لغيره كما قال الروياني وغيره تقديمه، فإن لم يفعل قدمه القاضي إن كان مطلوبا ولا يقدمه إن كان طالبا، لأن المطلوب مجبور والطالب مجبر.
تنبيه: لا يقدم القاضي بعض المدعين على بعض إلا في صورتين، أشار للأولى منهما بقوله: (ويقدم) ندبا على المختار في زوائد الروضة، (مسافرون مستوفرون) أي متهيئون للسفر خائفون من انقطاعهم إن تأخروا على مقيمين لئلا يتضرروا بالتخلف. وأشار للثانية بقوله: (و) يقدم (نسوة) على رجال طلبا لسترهن (وإن تأخروا) أي المسافرون والنسوة في المجئ إلى القاضي، وفيه تغليب المذكر على المؤنث، وكذا في قوله: (ما لم يكثروا) فإن كثروا بل أو ساووا كما في المهذب، أو كان الجميع مسافرون أو نسوة، فالتقديم بالسبق أو القرعة.
تنبيه: أفهم إطلاقه المسافرين والنسوة أنه لا فرق فيه بين كون كل منهما مدعيا أو مدعى عليه، وهو ما بحثه في أصل الروضة، وإن نازع فيه البلقيني وقال: إنه مختص بالمدعين. والخناثى مع الرجال كالنسوة. ويقدم المسافر المرأة المقيمة كما صرح به في الأنوار. وإطلاق المصنف النساء يقتضي أنه لا فرق بين الشابة والعجوز، وهو كذلك وإن قال الزركشي: القياس إلحاق العجوز بالرجال لانتفاء المحذور. وأفهم اقتصاره على المسافرين والنسوة الحصر فيهما، وليس مرادا، بل المريض كما سبق كذلك. قال الزركشي: وينبغي أن يلحق به من له مريض بلا متعهد، وتقديم مسلم على كافر. والازدحام على المفتي والمدرس كالازدحام على القاضي إن كان العلم فرضا ولو على الكفاية، وإلا فالخبرة إلى المفتي أو المدرس. (ولا يقدم سابق وقارع) أي من خرجت قرعته، (إلا بدعوى) واحدة وإن اتحد المدعى عليه لئلا يتضرر الباقون، لأنه ربما استوعب المجلس بدعاويه فتسمع دعواه وينصرف ثم يحضر في مجلس آخر وينتظر فراغ دعوى الحاضرين ثم تسمع دعواه. الثانية: إن بقي وقت ولم يضجر.
تنبيه: سكت المصنف عن حكم تقديم المسافر والنسوة، والأرجح تقديمهم بدعاويهم إن كانت خفيفة لا تضر بالمقيمين في الأولى وبالرجال في الثانية، فإن طالت قدم من ذكر بواحدة لأنها مأذون فيها، وقد يقنع بواحدة ويؤخر الباقي إلى أن يحضر، هذا ما رجحه في الروضة، واعترضه الأسنوي بأن ما ذكره من التقديم بواحدة فقط ممنوع بل القياس على ما قاله أن يسمع في عدد لا يضر بالباقين، كما لو لم يكن معه غيره، أي من المسافرين أو النساء. قال الأذرعي: وهذا لا يكاد ينضبط. وإذا قدمنا بواحدة فالمراد كما بحثه شيخنا التقديم بالدعوى وجوبها وفصل الحكم فيها.
نعم إن تأخر الحكم لانتظار بينة أو تزكية أو نحوها سمع دعوى من بعده حتى يحضر هو ببينته فيشتغل حينئذ بإتمام خصومته، ولا وجه لتعطيل الخصوم، ذكره الأذرعي وغيره.
تنبيه: لو قال كل من الخصمين: أنا المدعي، فإن كان قد سبق أحدهما إلى الدعوى لم تقطع دعواه بل على الآخر أن يجيب ثم يدعي إن شاء وإلا ادعى من بعث منهما العون خلف الآخر، وكذا من أقام بينة بأنه أحضر الآخر ليدعي عليه، فإن استووا أقرع بينهم فمن خرجت قرعته ادعى. (ويحرم) على القاضي اتخاذ شهود معينين