المخالف له، لأن الظنون المتعادلة لو نقض بعضها ببعض لما استمر حكم ولشق الامر على الناس. ومشهور عن عمر رضي الله تعالى عنه حكم بحرمان الأخ الشقيق في المشركة ثم شرك بعد ذلك ولم ينقض قضاءه الأول، وقال: ذاك على ما قضينا وهذا على ما نقضي. ولو قضى قاض بصحة نكاح المفقود زوجها بعد أربع سنين، ومدة العدة، وبنفي خيار المجلس، وبنفي بيع العرايا، وبمنع القصاص في القتل بمقتل، وبصحة بيع أم الولد، ونكاح الشغار، ونكاح المتعة، وحرمة الرضاع بعد حولين أو نحو ذلك كقتل مسلم بذمي، وجريان التوارث بين المسلم والكافر، نقض قضاؤه كالقضاء استحسان فاسد، وذلك لمخالفة القياس الجلي في جعل المفقود ميتا مطلقا أو حيا كذلك في الأولى، والحاكم المخالف جعله فيها ميتا في النكاح دون المال، ولمخالفة القياس الجلي في عصمة النفوس في الرابعة، ولظهور الاخبار في خلاف حكمه في البقية وبعدها عن التأويلات التي عنده. وهذا ما عليه الأكثر كما يعلم من كلام الرافعي هنا، واقتصر في كتاب الأمهات الأولاد على نقله عن الروياني نفسه عن الأصحاب، وصححه ابن الرفعة، وجزم به صاحب الأنوار وقيل لا ينقض ذلك، وصححه الروياني وكلام الروضة فيما عدا مسألة المفقود يميل إليه. والاستحسان الفاسد أن يستحسن شئ لأمر بهجس في النفس أو لعادة الناس من غير دليل أو على خلاف الدليل لأنه تحرم متابعته، أما إذا استحسن الشئ لدليل يقوم عليه أو من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس، فيجب متابعته ولا ينقض. ولو قضى بصحة النكاح بلا ولي أو بشهادة من لا تقبل شهادته كفاسق لم ينقض حكمه كمعظم المسائل المختلف فيها.
تنبيه: هذا كله في الصالح للقضاء، أما من لم يصلح له فإن أحكامه تنقض وإن أصاب فيها لأنها صدرت ممن لا ينفذ حكمه. ويؤخذ من ذلك أنه لو ولاه ذو شوكة بحيث ينفذ حكمه مع الجهل أو نحوه أنه لا ينقض ما أصاب فيه، وهو الظاهر كما جرى عليه ابن المقري. (والقضاء) فيما باطن الامر فيه بخلاف ظاهره، (ينفذ ظاهرا لا باطنا) لأنا مأمورون باتباع الظاهر، والله يتولى السرائر، فلا يحل هذا الحكم حراما ولا عكسه. فلو حكم بشهادة شاهدين ظاهرهما العدالة لم يحصل بحكمه الحل باطنا، سواء المال وغيره، ولقوله (ص): إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له بنحو ما أسمع منه، فمن قضيت له من حق أخيه بشئ فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار متفق عليه. فإذا كان المحكوم به نكاحا لم يحل للمحكوم له الاستمتاع بها وعليها الامتناع والهرب ما أمكنها، فإن أكرهت فلا إثم عليها كما قالاه. وحمله الأسنوي على ما إذا ربطت وإلا فالوطئ لا يباح بالاكراه. وأجيب بأن محله إذا لم يتقدمه حكم بخلاف ما هنا. وفي حده بالوطئ وجهان، أوجههما كما جزم به صاحب الأنوار وابن المقري عدم الحد، لأن أبا حنيفة يجعلها منكوحة بالحكم، فيكون وطؤ موطأ في نكاح مختلف في صحته وذلك شبهة. وإذا تقرر أنه لا يجوز لها تمكينه وقصدها دفعته كالصائل على البضع وإن أتى على نفسه.
فإن قيل: فلعله ممن يرى الإباحة فكيف يسوغ دفعه وقتله؟ أجيب بأن المسوغ للدفع والموجب له انتهاك الفرج المحرم بغير طريق شرعي وإن كان الطالب لا إثم عليه، كما لو صال صبي أو مجنون على بضع امرأة فإنه لا يجوز لها دفعه بل يجب. وإن كان طلاقا حل له وطؤها باطنا إن تمكن منه لكنه يكره لأنه يعرض نفسه للتهمة ويبقى التوارث بينهما للنفقة للحيلولة. ولو نكحت آخر فوطئها جاهلا بالحال فشبهة وتحرم على الأول حتى تنقضي العدة، أو عالما أو نكحها أحد الشاهدين ووطئ فكذا في الأشبه عند الشيخين. أما ما باطن الامر فيه كظاهره بأن ترتب على أصل صادق فينفذ الحكم فيه باطنا أيضا قطعا إن كان في محل اتفاق المجتهدين وعلى الأصح عند البغوي وغيره إن كان في محل اختلافهم وإن كان لمن لا يعتقد لتتفق الكلمة ويتم الانتفاع، فلو حكم حنفي لشافعي بشفاعة الجوار أو بالإرث بالرحم حل له الاخذ به اعتبارا بعقيدة الحاكم، لأن ذلك مجتهد وفيه والاجتهاد إلى القاضي لا إلى غيره. ولو شهد شاهد بما يعتقده القاضي للشاهد كشافعي شهد عنه حنفي بشفعة الجوار قبلت شهادته لذلك، قال الأسنوي:
ولشهادته بذلك حالان، أحدهما: أن يشهد بنفس الجوار وهو جائز. ثانيهما: أن يشهد باستحقاق الاخذ بالشفعة