مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٣٩٧
المخالف له، لأن الظنون المتعادلة لو نقض بعضها ببعض لما استمر حكم ولشق الامر على الناس. ومشهور عن عمر رضي الله تعالى عنه حكم بحرمان الأخ الشقيق في المشركة ثم شرك بعد ذلك ولم ينقض قضاءه الأول، وقال: ذاك على ما قضينا وهذا على ما نقضي. ولو قضى قاض بصحة نكاح المفقود زوجها بعد أربع سنين، ومدة العدة، وبنفي خيار المجلس، وبنفي بيع العرايا، وبمنع القصاص في القتل بمقتل، وبصحة بيع أم الولد، ونكاح الشغار، ونكاح المتعة، وحرمة الرضاع بعد حولين أو نحو ذلك كقتل مسلم بذمي، وجريان التوارث بين المسلم والكافر، نقض قضاؤه كالقضاء استحسان فاسد، وذلك لمخالفة القياس الجلي في جعل المفقود ميتا مطلقا أو حيا كذلك في الأولى، والحاكم المخالف جعله فيها ميتا في النكاح دون المال، ولمخالفة القياس الجلي في عصمة النفوس في الرابعة، ولظهور الاخبار في خلاف حكمه في البقية وبعدها عن التأويلات التي عنده. وهذا ما عليه الأكثر كما يعلم من كلام الرافعي هنا، واقتصر في كتاب الأمهات الأولاد على نقله عن الروياني نفسه عن الأصحاب، وصححه ابن الرفعة، وجزم به صاحب الأنوار وقيل لا ينقض ذلك، وصححه الروياني وكلام الروضة فيما عدا مسألة المفقود يميل إليه. والاستحسان الفاسد أن يستحسن شئ لأمر بهجس في النفس أو لعادة الناس من غير دليل أو على خلاف الدليل لأنه تحرم متابعته، أما إذا استحسن الشئ لدليل يقوم عليه أو من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس، فيجب متابعته ولا ينقض. ولو قضى بصحة النكاح بلا ولي أو بشهادة من لا تقبل شهادته كفاسق لم ينقض حكمه كمعظم المسائل المختلف فيها.
تنبيه: هذا كله في الصالح للقضاء، أما من لم يصلح له فإن أحكامه تنقض وإن أصاب فيها لأنها صدرت ممن لا ينفذ حكمه. ويؤخذ من ذلك أنه لو ولاه ذو شوكة بحيث ينفذ حكمه مع الجهل أو نحوه أنه لا ينقض ما أصاب فيه، وهو الظاهر كما جرى عليه ابن المقري. (والقضاء) فيما باطن الامر فيه بخلاف ظاهره، (ينفذ ظاهرا لا باطنا) لأنا مأمورون باتباع الظاهر، والله يتولى السرائر، فلا يحل هذا الحكم حراما ولا عكسه. فلو حكم بشهادة شاهدين ظاهرهما العدالة لم يحصل بحكمه الحل باطنا، سواء المال وغيره، ولقوله (ص): إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له بنحو ما أسمع منه، فمن قضيت له من حق أخيه بشئ فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار متفق عليه. فإذا كان المحكوم به نكاحا لم يحل للمحكوم له الاستمتاع بها وعليها الامتناع والهرب ما أمكنها، فإن أكرهت فلا إثم عليها كما قالاه. وحمله الأسنوي على ما إذا ربطت وإلا فالوطئ لا يباح بالاكراه. وأجيب بأن محله إذا لم يتقدمه حكم بخلاف ما هنا. وفي حده بالوطئ وجهان، أوجههما كما جزم به صاحب الأنوار وابن المقري عدم الحد، لأن أبا حنيفة يجعلها منكوحة بالحكم، فيكون وطؤ موطأ في نكاح مختلف في صحته وذلك شبهة. وإذا تقرر أنه لا يجوز لها تمكينه وقصدها دفعته كالصائل على البضع وإن أتى على نفسه.
فإن قيل: فلعله ممن يرى الإباحة فكيف يسوغ دفعه وقتله؟ أجيب بأن المسوغ للدفع والموجب له انتهاك الفرج المحرم بغير طريق شرعي وإن كان الطالب لا إثم عليه، كما لو صال صبي أو مجنون على بضع امرأة فإنه لا يجوز لها دفعه بل يجب. وإن كان طلاقا حل له وطؤها باطنا إن تمكن منه لكنه يكره لأنه يعرض نفسه للتهمة ويبقى التوارث بينهما للنفقة للحيلولة. ولو نكحت آخر فوطئها جاهلا بالحال فشبهة وتحرم على الأول حتى تنقضي العدة، أو عالما أو نكحها أحد الشاهدين ووطئ فكذا في الأشبه عند الشيخين. أما ما باطن الامر فيه كظاهره بأن ترتب على أصل صادق فينفذ الحكم فيه باطنا أيضا قطعا إن كان في محل اتفاق المجتهدين وعلى الأصح عند البغوي وغيره إن كان في محل اختلافهم وإن كان لمن لا يعتقد لتتفق الكلمة ويتم الانتفاع، فلو حكم حنفي لشافعي بشفاعة الجوار أو بالإرث بالرحم حل له الاخذ به اعتبارا بعقيدة الحاكم، لأن ذلك مجتهد وفيه والاجتهاد إلى القاضي لا إلى غيره. ولو شهد شاهد بما يعتقده القاضي للشاهد كشافعي شهد عنه حنفي بشفعة الجوار قبلت شهادته لذلك، قال الأسنوي:
ولشهادته بذلك حالان، أحدهما: أن يشهد بنفس الجوار وهو جائز. ثانيهما: أن يشهد باستحقاق الاخذ بالشفعة
(٣٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 392 393 394 395 396 397 398 399 400 401 402 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548