تنبيه: عطف هذين على قبلهما يفهم كونهما خلاف الأولى، لكن في الروضة وأصلها أنهما مكروهان، ومع ذلك فغيرهما من بقية المعاملات من إجارة وغيرها كالبيع والشراء، بل نص في الام على أنه لا ينظر في نفقة عياله ولا أمر صنعته بل يكله إلى غيره تفريغا لقلبه. واستثنى الزركشي معاملة أبعاضه لانتفاء المعنى ولا ينفذ حكمه لهم، وما قاله لا يأتي مع التعليل الأول. (و) يندب أن (لا يكون له وكيل معروف) كيلا يحابي أيضا، فإن فعل ذلك كره.
والمعاملة في مجلس حكمه أشد كراهة، فإن عرف وكيله استبدل غيره، فإن لم يجد وكيلا عقد لنفسه للضرورة، فإن وقعت لمن عامله خصومة أناب ندبا غيره في فصلها خوف الميل إليه. (فإن أهدى إليه من له خصومة) في الحال عنده، سواء أكان ممن يهدى إليه قبل الولاية أم لا، سواء أكان في محل ولايته أم لا، (أو لم) يكن له خصومة لكنه لم (يهد) له (قبل ولايته) القضاء ثم أهدى إليه بعض القضاء هدية، (حرم) عليه (قبولها) أما في الأولى فلخبر: هدايا العمال غلول رواه البيهقي بإسناد حسن، وروي: هدايا العمال سحت، وروي هدايا السلطان سحت ولأنها تدعو إلى الميل إليه وينكسر بها قلب خصمه. وما وقع في الروضة من أنها لا تحرم في غير محل ولايته سببه خلل وقع في نسخ الرافعي السقيمة، وأما في الثانية فلان سببها العمل ظاهرا، ولا يملكها في الصورتين لو قبلها، ويردها على مالكها، فإن تعذر وضعها في بيت المال. وقضية كلامهم أنه لو أرسلها إليه في محل ولايته ولم يدخل بها حرمت، وهو كذلك وإن ذكر فيها الماوردي وجهين.
تنبيه: يستثنى من ذلك هدية أبعاضه كما قال الأذرعي إذ لا ينفذ حكمه لهم. (وإن كان يهدي) إليه بضم أوله، قبل ولايته، (و) الحال أنه (لا خصومة) له، (جاز) قبولها إن كانت الهدية (بقدر العادة) السابقة ولاية القضاء في صفة الهدية وقدرها. ولو قال: كالعادة دخلت الصفة وذلك لخروجها حينئذ عن سبب الولاية، فانتفت التهمة. (والأولى) إن قبلها (أن) يردها أو (يثيب عليها) أو يضعها في بيت المال، لأن ذلك أبعد عن التهمة، ولأنه (ص) كان يقبلها ويثيب عليها. أما إذا زادت على المعتاد فكما لو لم يعهد منه، كذا في أصل الروضة. وقضيته تحريم الجميع، لكن قال الروياني نقلا عن المذهب: إن كانت الزيادة من جنس الهدية جاز قبولها لدخولها في المألوف وإلا فلا. وفي الذخائر: ينبغي أن يقال إن لم تتميز الزيادة، أي بجنس أو قدر، حرم قبول الجميع، وإلا فالزيادة فقط، لأنها حدثت بالولاية، وصوبه الزركشي، وجعله الأسنوي القياس، وهو الظاهر. فإن زاد في المعنى كأن أهدى من عادته قطن حريرا، فقد قالوا يحرم أيضا. لكن هل يبطل في الجمع أو يصح منها بقدر قيمة المعتاد؟ فيه نظر، واستظهر الأسنوي الأول، وهو ظاهر إن كان للزيادة وقع، وإلا فلا عبرة بها. والضيافة والهبة كالهدية، وكذا الصدقة كما قاله شيخنا.
والزكاة كذلك كما قاله بعض المتأخرين إن لم يتعين الدافع إليه. والعارية إن كانت مما يقابل بأجرة حكمها كالهدية، وإلا فلا كما بحثه بعض المتأخرين.
تنبيه: قبول الرشوة حرام، وهي ما يبذل له ليحكم بغير الحق، أو ليمتنع من الحكم بالحق، وذلك لخبر: لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم رواه ابن حبان وغيره وصححوه، ولان الحكم الذي يأخذ عليه المال إن كان بغير حق فأخذ المال في مقابلته حرام، أو بحق فلا يجوز توفيقه على المال إن كان له رزق في بيت المال. وروي: إن القاضي إذا أخذ فقد أكل السحت، وإذا أخذ الرشوة بلغت به الكفر. واختلف في تأويله، فقيل: إذا أخذها مستحلا، وقيل: أراد إن ذلك طريق وسبب موصل إليه كما قال بعض السلف: المعاصي بريد الكفر.
فروع: ليس للقاضي حضور وليمة أحد الخصمين حالة الخصومة، ولا حضور وليمتيهما ولو في غير محل الولاية لخوف الميل. وله تخصيص إجابة من اعتاد تخصيصه قبل الولاية، ويندب إجابة غير الخصمين إن عمم المولم النداء لها ولم يقطعه كثرة الولائم عن الحكم وإلا فيترك الجميع. ويكره له حضوره وليمة اتخذت له خاصة أو للأغنياء وادعي فيهم،