له لا لأنه طريق للتذكر، وإنما تعددت لأنها لو كانت واحدة ودفعها للمحكوم عليه لم يؤمن من ضياعها. وما يجتمع عند الحاكم يضم بعضه إلى بعض ويكتب عليه محاضر كذا في شهر كذا، وإذا احتاج إليه تولى أخذه بنفسه ونظر أولا إلى ختمه وعلامته.
تنبيه: ما يقضي به القاضي ويفتي به المفتي: الكتاب والسنة والاجماع والقياس، وقد يقتصر على الكتاب والسنة، ويقال: الاجماع يصدر عن أحدهما، والقياس يرد إلى أحدهما. وليس قول الصحابي إن لم ينتشر في الصحابة حجة، لأنه غير معصوم عن الخطأ، لكن يرجح به أحد القياسين على الآخر، وإذا كان ليس بحجة فاختلاف الصحابة في شئ كاختلاف سائر المجتهدين. فإن انتشر قول الصحابي في الصحابة ووافقوه فإجماع حر في حقه، فلا يجوز له مخالفة الاجماع، فإن سكتوا فحجة إن انقرضوا وإلا فلا، لاحتمال أن يخالفوه لأمر عرض لهم. قالا: والحق مع أحد المجتهدين في الفروع، قال صاحب الأنوار: وفي الأصول. والآخر مخطئ مأجور لقصده. (وإذا) تقرر ذلك ثم (حكم) قاض (باجتهاده) وهو من أهله وإن لم يطلب الخصم، (ثم بان) حكمه (خلاف نص الكتاب، أو السنة) المتواترة، أو الآحاد (أو) خلاف (الاجماع، أو قياس جلي) وهو ما قطع فيه بنفي تأثير الفارق بين الأصل والفرع، أو يبعد تأثيره كقياس الضرب على التأفيف للوالدين في قوله تعالى: * (فلا تقل لهما أف) * وما فوق الذرة بها في قوله: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) *، وكذا ما قطع فيه بالمساواة، وإن لم يكن أولى كقياس الأمة على العبد في السراية وغير السمن من المائعات عليه في حكم وقوع الفأرة. قال الرافعي: وربما خص بعضهم اسم الجلي بما كان الفرع فيه أولى بحكم الأصل، وسمى ما كان مساويا واضحا. (نقضه هو) أي يلزمه لك، وإن لم يرفع إليه كما صرح به الماوردي والإمام والغزالي وغيرهم فيتتبع أحكامه لنقضها. (و) نقضه (غيره) أيضا، وإن لم يجز له تتبع أحكام غيره في أحد وجهين صححه الفارقي وعزاه الماوردي إلى جمهور البصريين. فأما النقض لمخالفة الاجماع فبالاجماع والباقي في معناه، فقد قال (ص): من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. وكان عمر رضي الله تعالى عنه يفاضل بين الأصابع في الدية لتفاوت منافعها حتى روى له الخبر في التسوية فنقض حكمه، رواه الخطابي في المعالم. وقضى عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه فيمن رد عبدا بعيب أنه يرد معه خراجه، فأخبره عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي (ص) قضى أن الخراج بالضمان فرجع، وقضى بأخذ الخراج من الذي أخذه، رواه الشافعي في مسنده.
ونقض علي رضي الله تعالى عنه قضاء شريح في ابني عم أحدهما أخ لام بأن المال للأخ متمسكا بقوله تعالى: * (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض) * فقال له علي: قال الله تعالى: * (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس) *. قال الزركشي: وفي معنى قول المصنف باجتهاده ما إذا كان مقلدا ولي للضرورة، وحكم بخلاف نص إمامه مقلدا لوجه ضعيف، فإنهم جعلوا نص إمامه بالنسبة إليه كنص الشارع بالنسبة إلى المجتهد كما قاله في الروضة في الكلام على الفتوى، قال: ويجب نقضه، ولا شك في نقض ما صدر من مقلد غير متبحر بخلاف المعتمد عند أهل المذهب، ولو حكم بغير مذهب من قلده لم ينقض بناء على أن للمقلد تقليد من شاء.
تنبيه: صيغة النقض: نقضته وفسخته أو نحو ذلك كأبطلته. ولو قال: هذا باطل أوليس بصحيح فوجهان، وينبغي أن يكون نقضا. وفي تعبيرهم بنقض وانتقض مسامحة، إذ المراد أن الحكم لم يصح من أصله، نبه عليه ابن عبد السلام. وعلى القاضي إعلام الخصمين بصورة الحال، قال الماوردي: ويجب على القاضي أن يسجل بالنقض كما سجل بالحكم ليكون التسجيل الثاني مبطلا للأول كما صار الثاني ناقضا للحكم الأول، فإن لم يكن قد سجل بالحكم لم يلزمه الاسجال بالنقض، وإن كان الاسجال به أولى. وقوله (لا) إن بان خلاف قياس (خفي) تصريح بمفهوم جلي. وأراد بالخفي ما لا يزيل احتمال المفارقة ولا يبعد، كقياس الأرز على البر في باب الربا بعلة الطعم، فلا ينقض الحكم