بالمسجدين بالمسجد الحرام خرج عن نذره في الأصح، ويقوم مسجد المدينة مقام الأقصى، ولا عكس على النص وسكت عن نذره الاعتكاف لتقدمه في بابه.
تنبيه: لا تجزئ صلاة واحدة في هذه المساجد عن أكثر منها، فلو نذر ألف صلاة في المسجد الحرام لم تجزه صلاة واحدة في مسجد المدينة كما لو نذر أن يصلي في مسجد المدينة صلاة لا تجزيه ألف صلاة في غيره، وإن عدلت بها كما أنه لو نذر قراءة ثلث القرآن فقرأ: * (قل هو الله أحد) * لا تجزيه، وإن عدلت ثلث القرآن ولا يلحق بالمساجد الثلاثة مسجد قباء خلافا لما بحثه الزركشي لما مر، وإن أخرج الترمذي صلاة فيه كعمرة. ثم شرع المصنف في فروع يظهر بها أن النذر هل يسلك به واجب الشرع أو جائزه؟ والأصح عند المصنف الأول إلا فيما استثنى، ورجح العراقيون الثاني، واختار المصنف في باب الرجعة أنه لا يطلق ترجيح واحد من القولين، بل يختلف الراجح منهما بحسب المسائل، وبدأ من تلك الفروع بنذر الصوم فقال: (أو) نذر (صوما مطلقا) من غير تعرض لعدد بلفظ ولا نية (فيوم) يحمل عليه، لأن الصوم اسم جنس يقع على الكثير والقليل، والصوم لا يكون أقل منه والمتيقن يوم فلا يلزمه أكثر منه. فإن قيل:
ينبغي أن لا يكتفي به إذا حملنا النذر على واجب الشرع، فإن أقل ما وجب بالشرع ابتداء صيام ثلاثة أيام. أجيب بمنع ذلك بدليل وجوب يوم في جزاء الصيد وعند إفاقة المجنون، وبلوغ الصبي قبل طلوع فجر آخر يوم من رمضان.
تنبيه: لو نذر صوما كثيرا أو طويلا لم يلزمه أكثر من يوم كما قاله الخوارزمي في الكافي، ومثله ما لو قال حينا أو دهرا. (أو) نذر (أياما) أي صومها (فثلاثة) لأنها أقل الجمع، أو شهورا فقياسه ثلاثة، وقيل أحد عشر شهرا لكونه جمع كثرة، ولو عرف الأشهر احتمل ذلك واحتمل إرادة السنة وهو الظاهر، ويجب التبييت في صوم النذر بناء على الأصح من أنه يسلك به مسلك واجب الشرع، ولو نذر الصوم في السفر صح إن كان صومه أفضل من فطره وإلا فلا (أو) نذر (صدقة فيما) أي تصدق بأي شئ (كان) مما يتمول كدانق ودونه لاطلاق الاسم. فإن قيل: هلا يتقدر بخمسة دراهم أو بنصف دينار كما أنه أقل واجب في زكاة المال؟ أجيب بأن الخلطاء قد يشتركون في نصاب فيجب على أحدهم شئ قليل.
تنبيه: لو نذر التصدق بمال عظيم. قال القاضي أبو الطيب في باب الاقرار في تعليقه: لا يتقدر بشئ وأي قدر تصدق أجزأه. قال: ورأيت بعضهم يوجب فيه مائتي درهم. وفي فتاوى القفال: لو قال لله علي أن أعطي الفقراء عشرة دراهم ولم يرد به الصدقة لم يلزمه شئ كما لو قال: لله علي أن أحب الفقراء. قال الأذرعي: وفيه نظر، إذ لا يفهم من ذلك إلا الصدقة اه. وهذا هو الظاهر، ولو نذر أن يشتري بدرهم خبزا للتصدق لزمه التصدق بخبز قيمته درهم، ولا يلزمه شراؤه نظرا للمعنى، لأن القربة إنما هي التصدق لا الشراء.
فروع: لو قال: ابتداء مالي صدقة، أو في سبيل الله فلغو، لأنه لم يأت بصيغة التزام، فإن علق قوله المذكور بدخول مثلا كقوله: إن دخلت الدار فمالي صدقة فنذر لجاج، فإما أن يتصدق بكل ماله، وإما له أن يكفر كفارة يمين إلا أن يكون المعلق به مرغوبا فيه كقوله: إن رزقني الله دخول الدار، أو إن دخلت الدار - وأراد ذلك - فمالي صدقة فيجب التصدق عينا، لأنه نذر تبرر، ولو قال: بدل صدقة: في سبيل الله، تصدق بكل ماله على الغزاة، ولو قال: إن شفى الله مريضي فعلي ألف ولم يعين شيئا باللفظ ولا بالنية لم يلزمه شئ لأنه لم يعين مساكين ولا دراهم ولا تصدقا ولا غيرها، ولو نوى التصدق بألف ولم ينو شيئا فكذلك كما جزم به ابن المقري تبعا لاصله، لكن قال الأذرعي: يحتمل أن ينعقد نذره ويعين ألفا مما يريد، كما لو قال: لله علي نذر. قال شيخنا: وما قاله ظاهر، وأي فرق بينه وبين نذر التصدق بشئ، ولو قال: إن شفى الله مريضي فلله علي أن أتصدق بألف درهم مثلا فشفي والمريض فقير فإن كان لا يلزمه نفقته جاز إعطاؤه ما لزمه، وإلا فلا كالزكاة، ولو نذر التصدق على ولده أو غيره الغني جاز، لأن الصدقة على الغني