مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٣٦٨
بالمسجدين بالمسجد الحرام خرج عن نذره في الأصح، ويقوم مسجد المدينة مقام الأقصى، ولا عكس على النص وسكت عن نذره الاعتكاف لتقدمه في بابه.
تنبيه: لا تجزئ صلاة واحدة في هذه المساجد عن أكثر منها، فلو نذر ألف صلاة في المسجد الحرام لم تجزه صلاة واحدة في مسجد المدينة كما لو نذر أن يصلي في مسجد المدينة صلاة لا تجزيه ألف صلاة في غيره، وإن عدلت بها كما أنه لو نذر قراءة ثلث القرآن فقرأ: * (قل هو الله أحد) * لا تجزيه، وإن عدلت ثلث القرآن ولا يلحق بالمساجد الثلاثة مسجد قباء خلافا لما بحثه الزركشي لما مر، وإن أخرج الترمذي صلاة فيه كعمرة. ثم شرع المصنف في فروع يظهر بها أن النذر هل يسلك به واجب الشرع أو جائزه؟ والأصح عند المصنف الأول إلا فيما استثنى، ورجح العراقيون الثاني، واختار المصنف في باب الرجعة أنه لا يطلق ترجيح واحد من القولين، بل يختلف الراجح منهما بحسب المسائل، وبدأ من تلك الفروع بنذر الصوم فقال: (أو) نذر (صوما مطلقا) من غير تعرض لعدد بلفظ ولا نية (فيوم) يحمل عليه، لأن الصوم اسم جنس يقع على الكثير والقليل، والصوم لا يكون أقل منه والمتيقن يوم فلا يلزمه أكثر منه. فإن قيل:
ينبغي أن لا يكتفي به إذا حملنا النذر على واجب الشرع، فإن أقل ما وجب بالشرع ابتداء صيام ثلاثة أيام. أجيب بمنع ذلك بدليل وجوب يوم في جزاء الصيد وعند إفاقة المجنون، وبلوغ الصبي قبل طلوع فجر آخر يوم من رمضان.
تنبيه: لو نذر صوما كثيرا أو طويلا لم يلزمه أكثر من يوم كما قاله الخوارزمي في الكافي، ومثله ما لو قال حينا أو دهرا. (أو) نذر (أياما) أي صومها (فثلاثة) لأنها أقل الجمع، أو شهورا فقياسه ثلاثة، وقيل أحد عشر شهرا لكونه جمع كثرة، ولو عرف الأشهر احتمل ذلك واحتمل إرادة السنة وهو الظاهر، ويجب التبييت في صوم النذر بناء على الأصح من أنه يسلك به مسلك واجب الشرع، ولو نذر الصوم في السفر صح إن كان صومه أفضل من فطره وإلا فلا (أو) نذر (صدقة فيما) أي تصدق بأي شئ (كان) مما يتمول كدانق ودونه لاطلاق الاسم. فإن قيل: هلا يتقدر بخمسة دراهم أو بنصف دينار كما أنه أقل واجب في زكاة المال؟ أجيب بأن الخلطاء قد يشتركون في نصاب فيجب على أحدهم شئ قليل.
تنبيه: لو نذر التصدق بمال عظيم. قال القاضي أبو الطيب في باب الاقرار في تعليقه: لا يتقدر بشئ وأي قدر تصدق أجزأه. قال: ورأيت بعضهم يوجب فيه مائتي درهم. وفي فتاوى القفال: لو قال لله علي أن أعطي الفقراء عشرة دراهم ولم يرد به الصدقة لم يلزمه شئ كما لو قال: لله علي أن أحب الفقراء. قال الأذرعي: وفيه نظر، إذ لا يفهم من ذلك إلا الصدقة اه‍. وهذا هو الظاهر، ولو نذر أن يشتري بدرهم خبزا للتصدق لزمه التصدق بخبز قيمته درهم، ولا يلزمه شراؤه نظرا للمعنى، لأن القربة إنما هي التصدق لا الشراء.
فروع: لو قال: ابتداء مالي صدقة، أو في سبيل الله فلغو، لأنه لم يأت بصيغة التزام، فإن علق قوله المذكور بدخول مثلا كقوله: إن دخلت الدار فمالي صدقة فنذر لجاج، فإما أن يتصدق بكل ماله، وإما له أن يكفر كفارة يمين إلا أن يكون المعلق به مرغوبا فيه كقوله: إن رزقني الله دخول الدار، أو إن دخلت الدار - وأراد ذلك - فمالي صدقة فيجب التصدق عينا، لأنه نذر تبرر، ولو قال: بدل صدقة: في سبيل الله، تصدق بكل ماله على الغزاة، ولو قال: إن شفى الله مريضي فعلي ألف ولم يعين شيئا باللفظ ولا بالنية لم يلزمه شئ لأنه لم يعين مساكين ولا دراهم ولا تصدقا ولا غيرها، ولو نوى التصدق بألف ولم ينو شيئا فكذلك كما جزم به ابن المقري تبعا لاصله، لكن قال الأذرعي: يحتمل أن ينعقد نذره ويعين ألفا مما يريد، كما لو قال: لله علي نذر. قال شيخنا: وما قاله ظاهر، وأي فرق بينه وبين نذر التصدق بشئ، ولو قال: إن شفى الله مريضي فلله علي أن أتصدق بألف درهم مثلا فشفي والمريض فقير فإن كان لا يلزمه نفقته جاز إعطاؤه ما لزمه، وإلا فلا كالزكاة، ولو نذر التصدق على ولده أو غيره الغني جاز، لأن الصدقة على الغني
(٣٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 363 364 365 366 367 368 369 370 371 372 373 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548