فأوقفني في القضاء القضاء وما كنت قدما تمنيته وقال آخر: فيا ليتني لم أكن قاضيا ويا ليتها كانت القاضية تنبيه: قول المصنف: وله القبول يقتضي جوازه وإن خاف على نفسه اتباع الهوى، وقال الإمام والرافعي:
ينبغي أن يحترز، فإن أهم الغنائم حفظ السلامة اه. وقضيته منع الاقدام حينئذ وهو الظاهر، بل قطع في الذخائر بوجوب الامتناع. (ويندب) له (الطلب) للقضاء (إن كان خاملا) أي غير مشهور بين الناس، (يرجو به) أي القضاء (نشر العلم) لتحصل المنفعة بنشره إذا عرفه الناس، (أو) لم يكن خاملا، لكن كان (محتاجا إلى الرزق) فإذا ولي حصل له كفايته من بيت المال بسبب هو طاعة لما في العدل من جزيل الثواب، وفي هذا إشعار على أنه يجوز أخذ الرزق على القضاء، وسيأتي إيضاح ذلك.
تنبيه: يندب الطلب أيضا إذا كانت الحقوق مضاعة لجور أو عجز، أو فسدت الأحكام بتولية جاهل، فيقصد بالطلب تدارك ذلك. وقد أخبر الله تعالى عن نبيه يوسف صلوات الله وسلامه عليه أنه طلب، فقال: * (اجعلني على خزائن الأرض) * وإنما طلب ذلك شفقة على خلق الله لا منفعة نفسه. (وإلا) بأن لم يكن خاملا بل مشهورا ولا محتاجا للرزق بل مكفيا به، (فالأولى) له (تركه) أي طلب القضاء لما فيه من الخطر من غير حاجة، وينشر العلم والفتيا. (قلت) كما قال الرافعي في الشرح: (ويكره) له حينئذ الطلب (على الصحيح) وكذا قبول التولية أيضا (والله أعلم) لأنه ورد فيه نهي مخصوص، وعليه حملت الأخبار الواردة في التحذير وامتناع السلف منه. والثاني: لا كراهة في طلب ولا قبول، بل هما خلاف الأولى.
تنبيه: أهمل المصنف من أقسام الطلب التحريم، قال الماوردي: كما إذا قصد انتقاما من الأعداء أو اكتسابا بالارتشاء. وجعل من المكروه طلبه للمباهاة والاستعلاء، ونوزع في ذلك. وجرى بعضهم على الحرمة للأحاديث الدالة عليه وهو ظاهر. وهذا التفصيل إذا لم يكن هناك قاض مولى، فإن كان نظر، فإن كان غير مستحق القضاء فكالمعدوم.
وإن كان مستحقا له فطلب عزله حرام ولو كان دون الطالب، وتبطل بذلك عدالة الطالب، فإن عزل وولي الطالب نفذ حكمه عند الضرورة، أما عند تمهد الأصول الشرعية فلا ينفذ. وهذا في الطلب بلا بذل مال، فإن كان نظر إن تعين على الباذل القضاء أو كان ممن يسن له جاز له بذل المال، ولكن الآخذ ظالم بالأخذ. وهذا كما إذا تعذر الامر بالمعروف إلا ببذل مال، فإن لم يتعين ولم يسن طلبه لم يجز بذل المال ليولى، ويجوز له البذل بعد التولية لئلا يعزل، والآخذ ظالم بالأخذ، ووقع في الروضة أنه يجوز له بذله ليولى ونسب إلى الغلط. وأما بذل المال لعزل قاض لم يكن متصفا بصفة القضاء فمستحب لما فيه من تخليص الناس منه، ولكن آخذه ظالم بالأخذ، وإن كان بصفة القضاء فهو حرام. فإن عزله وولى الباذل نفذ عند الضرورة كما مر، أما عند تمهد الأصول الشرعية فتوليته باطلة والمعزول على قضائه، لأن العزل بالرشوة حرام، وتولية المرتشي للراشي حرام. (والاعتبار في التعيين) للقضاء (وعدمه) ببلدة (بالناحية) وكذا في وجوب الطلب والقبول وعدمه، فلا يجب على من تعين عليه القضاء طلب ولا قبول له في غير ناحيته لما في فيه من الهجرة وترك الوطن. وفارق سائر فروض الكفايات بأنه يمكنه القيام بها والعود إلى الوطن والقضاء لا غاية له مع قيام حاجة بلد المعين إليه. وظاهر كلام أصل الروضة أنه لو كان بناحية صالحان وولي أحدهما لم يجب على الآخر ذلك في ناحية ليس بها صالح، وهو كذلك لما ذكر خلافا للبلقيني ومن تبعه في الوجوب عليه.
تنبيه: حكم المقلد الآن حكم المجتهدين في الأصلح وعدمه كما قاله بعض المتأخرين ويؤيده قول الغزالي في الوسيط: المقلد إذا بلغ رتبة الاجتهاد في المذهب وجب تقديمه على من لم يبلغها، فقد اعتبر - أعني المقلدين - وإن كان