ليتم الاجل. وشرعا: الخصومة بين خصمين فأكثر بحكم الله تعالى. قال ابن عبد السلام: الحكم الذي يستفيده القاضي بالولاية هو إظهار حكم الشرع في الواقعة فيمن يجب عليه إمضاؤه فيه بخلاف المفتي، فإنه لا يجب عليه إمضاؤه، وسمي القضاة حكما لما فيه من الحكمة التي توجب وضع الشئ في محله لكونه يكف الظالم عن ظلمه، أو من إحكام الشئ، ومنه حكمة اللجام لمنعه الدابة من ركوبها رأسها، وقد قيل إن الحكمة مأخوذة من هذا أيضا لمنعها النفس من هواها.
والأصل في ذلك الكتاب والسنة والاجماع، فمن الكتاب آيات كقوله تعالى: * (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) * وقوله تعالى: * (فاحكم بينهم بالقسط) * وقوله تعالى: * (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس) *. ومن السنة أخبار، كخبر الصحيحين: إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران، وفي رواية صحح الحاكم إسنادها: فله عشرة أجور. وروى البيهقي خبر: إذا جلس الحاكم للحكم بعث الله له ملكين يسددانه ويوفقانه، فإن عدل أقاما، وإن جار عرجا وتركاه. قال المصنف في شرح مسلم: أجمع المسلمون على أن الحديث - يعني الذي في الصحيحين - في حاكم عالم أهل للحكم إن أصاب فله أجران باجتهاده، وإن أخطأ فله أجر باجتهاده في طلب الحق، أما من ليس بأهل للحكم فلا يحل له أن يحكم، وإن حكم فلا أجر له، بل هو آثم ولا ينفذ حكمه سواء وافق الحق أم لا، لأن إصابته اتفاقية ليست صادرة عن أصل شرعي، فهو عاص في جميع أحكامه سواء وافق الصواب أم لا، وهي مردودة كلها، ولا يعذر في شئ من ذلك. وقد روى الأربعة والحاكم والبيهقي أن النبي (ص) قال: القضاة ثلاثة: قاضيان في النار وقاض في الجنة، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق وقضى به، واللذان في النار: رجل عرف الحق فجار في الحكم، ورجل قضى للناس على جهل فالقاضي الذي ينفذ حكمه هو الأول والثاني والثالث لا اعتبار بحكمهما. والاجماع منعقد على فعله سلفا وخلفا. وقد استقضى النبي (ص) والخلفاء الراشدون بعده فمن بعدهم ووليه سادات وتورع عنه مثلهم، وورد من الترغيب والتحذير أحاديث كثيرة. ولا شك أنه منصب عظيم إذا قام العبد بحقه، ولكنه خطر والسلامة فيه بعيدة إلا من عصمه الله تعالى، وقد كتب سلمان الفارسي إلى أبي الدرداء رضي الله تعالى عنهما لما كان قاضيا ببيت المقدس: إن الأرض لا تقدس أحدا، وإنما يقدس المرء عمله، وقد بلغني أنك جعلت طبيبا تداوى، فإن كنت تبرئ فنعما لك، وإن كنت مطببا فاحذر أن تقتل أحدا فتدخل النار، فما بالك بمن ليس بطبيب ولا مطبب.
وقال بعض الأكابر ممن دخل في القضاء: أنا نذير لمن يكون عنده أهلية العلم أن لا يتولى القضاء. فإن كلام العلماء يؤخذ بالقبول، وكلام القضاة تسري إليه الظنون، وإن ترتب على القضاء أجر في وقائع جزئية، فالعلم يترتب عليه أمور كلية تبقى إلى يوم القيامة، وما ورد في التحذير عنه: من جعل قاضيا ذبح بغير سكين، فهو محمول على من يكره له القضاء، أو يحرم على ما سيأتي. (هو) أي قبول تولية القضاء من الإمام (فرض كفاية) في حق الصالحين له في الناحية، أما كونه فرضا فلقوله تعالى: * (كونوا قوامين بالقسط) * ولان طباع البشر مجبولة على التظالم ومنع الحقوق، وقل من ينصف من نفسه، ولا يقدر الإمام على فصل الخصومات بنفسه فدعت الحاجة إلى تولية القضاء. وأما كونه على الكفاية فلانه أمر بمعروف أو نهي عن منكر، وهما على الكفاية، وقد بعث النبي (ص) عليا إلى اليمن قاضيا، فقال: يا رسول الله بعثتني أقضي بينهم وأنا شاب لا أدري ما القضاء فضرب النبي (ص) صدره وقال:
اللهم اهده وثبت لسانه قال: فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما شككت في قضاء بين اثنين، رواه أبو داود والحاكم وقال: صحيح الاسناد. واستخلف النبي (ص) عتاب بن أسيد على مكة واليا وقاضيا، وقلد معاذا قضاء اليمن. وبعث أبو بكر أنسا إلى البحرين، وبعث عمر أبا موسى الأشعري إلى البصرة. فلو كان فرض عين لم يكف واحد. وعن القاضي أبي الطيب استحباب نصب القضاة في البلدان، قال ابن الرفعة: ولم أره لغيره. فعلى المشهور إذا قام بالفرض من يصلح سقط الفرض عن الباقين. وإن امتنعوا أثموا وأجبر الإمام أحد الصالحين على الصحيح. وخرج بقبوله التولية إيقاعها للقاضي من الإمام فإنها فرض عين عليه لدخوله في عموم ولايته ولا يصح إلا من جهته، ولا يجوز أن يتوقف