الحيوان لا يجزئ في الأضحية كالظبا لزمه التصدق به حيا، فإن ذبحه لم يجز إذ لا قربة في ذبحه لعدم إجزائه أضحية وغرم الأرش إن نقصت قيمته بالذبح وتصدق باللحم، وإن كان مما يجزئ في الأضحية لزمه ذبحه في أيام النحر وتفرقة لحمه على من ذكر. وتعبيره بالهدي قد يوهم اختصاص ذلك بالإبل والبقر والغنم وليس مرادا، فلو قال شيئا كما قدرته في كلامه كان أولى. وكان ينبغي التعبير بالحرم بدلا عن مكة ليستغني عما زدته في كلامه فإن حمله لا يتقيد بمكة بل يعم سائر الحرم. وقوله: حمله يفهم أنه فيما سهل نقله وهو كذلك، أما ما تعذر نقله مما أهداه كالدار أو تعسر كحجر الرحى فإنه يبيعه بنفسه وينقل ثمنه إلى الحرم من غير مراجعة حاكم ويتصدق به على مساكينه. وهل له إمساكه بقيمته أو لا فقد يرغب فيه بأكثر منها؟ وجهان: في الكفاية ينبغي الأول إلا أن يظهر راغب بالزيادة. وقوله: والتصدق به يقتضي الاكتفاء بكون ذلك الشئ مما يتصدق به وإن لم تصح هبته ولا هديته، فيدخل فيه ما لو نذر إهداء دهن نجس بناء على ما قاله المصنف: من أنه ينبغي أن يقطع بصحة التصدق به بعد حكايته عن القاضي أبي الطيب المنع من ذلك. ويدخل فيه أيضا جلد الميتة قبل الدباغ لكن قال البلقيني: الأرجح أنه يشترط فيه أن يكون مما يهدى لآدمي اه. وهذا أظهر.
ويستثنى من وجوب التصدق به ما لو عسر التصدق به حيث وجب التعميم به كاللؤلؤة والثوب فإنه يباع ويفرق ثمنه عليهم كما قاله الماوردي وإن كانت قيمته في الحرم ومحل النذر سواء تخير بين حمله وبيعه بالحرم وبين حمل ثمنه، أو في أحدهما أكثر تعين، وما لو نوى الناذر اختصاص الكعبة بالمنذور فإن كان شمعا أشعله فيها، أو دهنا أوقده في مصابيحها، أو طيبا طيبها به، أو متاعا لا يستعمل فيها باعه وصرف ثمنه في مصالحها. أما إذا قال لله علي أن أهدي ولم يسم شيئا أو إن أضحي فإنه يلزمه ما يجزئ في الأضحية حملا على معهود الشرع، فإن عين عن نذره بدنة أو بقرة شاة تعينت بشروط الأضحية. فلا يجزئ فصيل ولا عجل ولا سخلة. وإن تعيب الهدى المنذور أو المعين عن نذره تحت السكين عند الذبح لم يجز كالأضحية لأنه من ضمانه ما لم يذبح. وقيل يجزئ وجرى عليه ابن المقري لأن الهدي ما يهدى إلى الحرم. وبالوصول إليه حصل الاهداء، وعليه مؤنة نقل الهدي إلى الحرم لأنه محل الهدي، قال تعالى: * (حتى يبلغ الهدي محله) * فإن لم يكن له مال بيع بعضه لنقل الباقي كما في أصل الروضة ولزمه تفرقة لحمه فيه على مساكينه. وفي الإبانة أنه إن قال أهدي هذا فالمؤنة عليه وإن قال جعلته هديا فلا يباع منه شئ لأجل مؤنة النقل. ونسبه في البحر للقفال واستحسنه. قال الرافعي: لكن مقتضى جعله هديا أن يوصله كله الحرم فليلتزم مؤنته كما لو قال: أهدي اه. وهذا هو الظاهر، وعليه أيضا علف الحيوان كما صرح به الماوردي والقاضي الحسين، ولو نذر أن يهدي شاة مثلا ونوى ذات عيب أو سخلة أجزأه هذا المنوي لأنه الملتزم، ويؤخذ مما مر أنه يتصدق به حيا، فإن أخرج بدله تاما فهو أفضل.
تنبيه: قد علم مما مر أنه يمتنع إهداء ما ذكر إلى أغنياء الحرم. نعم لو نذر نحره لهم خاصة واقترن به نوع من القربة كأن تتأسى به الأغنياء لزمه كما قاله في البحر، ويسن لمن أهدى شيئا من البدن أو البقر أن يشعرها، أي يجرحها بشئ له حد حتى يسيل الدم، والأولى أن يكون في صفحة سنامها اليمنى، وأن يقلدها بعري القرب ونحوها من الخيوط المفتولة والجلود، ويقلد الغنم ولا يشعرها، والحكمة في ذلك الاعلام بأنه هدي فلا يتعرض له، فإن عطب منها شئ قبل المحل نحره وجوبا في المنذور، وندبا في غيره، وغمس المقلد به في دمه وضرب به صفحته، وخلى بينه وبين المساكين، ولا بد من الاذن في التطوع بخلاف المنذور، ولا يجوز له ولا لرفقته الاكل من المنذور، والمراد برفقته جميع القافلة كما قاله المصنف، فإن لم ينحره حتى مات مع تمكنه ضمنه بالأكثر من قيمته حينئذ ومن مثله، فإن لم يتمكن من الذبح حتى مات لم يضمنه، ولو نذر أن يضحي ببينة وقيدها بالإبل أو نواها أو أطلق تعينت البدنة من الإبل لأنها وإن أطلقت على البقر والغنم أيضا كما صححه في المجموع فهي في الإبل أكثر استعمالا، فإن عدمت وقد أطلق نذره فبقرة، فإن عدمت فسبع شياه كما نص عليه الشافعي، وإن كان ظاهر كلام الروضة أنه يتخير بين البقرة والسبع شياه، وإن عدمت وقد قيد نذره بها لفظا أو نية وجب عليه أن يشتري بقيمتها بقرة، ويفارق ذلك عدم اعتبار قيمتها حالة الاطلاق بل اللفظ عند الاطلاق ينصرف إلى معهود الشرع ومعهوده لا تقوم فيه فإن فضل من قيمته